د. فوزي علي السمهوري
اعتبرت السلطة التنفيذية إبان ذروة نشاط الحراك السياسي والمجتمعي خلال مرحلة ما اصطلح عليه الربيع العربي، الذي انطلقت شرارته عام 2011 في تونس، أن تأسيس نقابة للمعلمين بعد نضالات سلمية امتدت لعقود، انجاز للسلطة التنفيذية، وأنها خطوة هامة على طريق الإصلاح السياسي، بالرغم من أن حرمان المعلمين من تأسيس نقابة ترعى مصالحهم، هو انتهاك لحق دستوري وحقوقي وفقاً للعهود والمواثيق الدولية، وما الموافقة على تأسيس نقابة المعلمين وفق قانون خاص، إلا تراجع عن خطأ مارسته السلطة وأجهزتها لعقود عديدة.
أما التعديلات الدستورية خلال مرحلة الربيع الأردني، فقد منح حقاً دستورياً وفق المادة 16 فقره 2، للأردنيين بتأليف الجمعيات والنقابات، حيث تنص الفقرة 2 من المادة 16 من الدستور على «للأردنيين حق تأليف الجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية على أن تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف أحكام الدستور».
هذا النص حسم النقاش الحقوقي والمنطقي بعيداً عن العقلية العرفية بأن لا مجال أمام السلطة التنفيذية برفض تأسيس نقابة أو حزب أو مؤسسة مجتمع مدني، إلا في حالة واحدة وهي الخروج عن الوسائل السلمية لتحقيق الأهداف، وتبني خيارات وأساليب عنفية.
كما أن النص الدستوري آنف الذكر، يعني ايضاً أن تتمتع النقابات بالاستقلالية التامة بنشاطاتها التي تساهم في تحقيق الغايات والأهداف التي يتضمنها قانونها نظامها الداخلي، دون رقابة مباشرة أو غير مباشرة من اي وزارة أو هيئة أو غيرها من المؤسسات والأجهزة الملحقة بالسلطة التنفيذية.
هذا يعني أن وزارة التربية والتعليم معنية بدعم نشاطات نقابة المعلمين، والاستجابة لمطالبها، طالما أن المطالب تهدف إلى الرقي بمستوى المعلم والتعليم.
أما ما تناقلته وسائل إعلامية عن تهديد وزير التربية بحل نقابة المعلمين، فإنني أرى أن ذلك يعكس العقلية الأمنية التي تدار بها شؤون الوطن، وأنها خطوة ترسخ الخطوات المتلاحقة للردة عن الإصلاح وعن السير قدماً نحو تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان.
كما أن التهديد أيضاً يعبر عن ضيق صدر المطبخ السياسي والأمني عن حرية التعبير بغض النظر عن المؤسسة التي تعبر عن رأيها بغض النظر إذا ما كان ذلك الرأي يُبسط السلطة أو يؤدي إلى إثارة غضبها.
والتهديد الرسمي للنقابة يتطلب تضافر كافة الجهود السياسية والحزبية والحقوقية والإعلامية والنقابية ومؤسسات المجتمع المدني، من أجل إلغاء صلاحية حل أي حزب أو نقابة أو مؤسسة مجتمع مدني، طالما أن نشاطاتها سلمية وبعيدة كل البعد عن العنف مهما كان شكله.
وقد آن الأوان لأن تحترم السلطة التنفيذية وأجهزتها التزامات الأردن محلياً وعالمياً، بتعزيز الديمقراطية، وتوفيق أوضاعها وتشريعاتها بما ويتفق مع العهود والمواثيق الدولية التي صادق عليها الأردن، وتمّ نشرها في الجريدة الرسمية في حزيران 2006.
وكفى للسلطة التنفيذية أن تتخذ من تصديق العهود ونشرها في الجريدة الرسمية «التي تعني ببساطة أنها اصبحت جزءاً من التشريع الأردني واجبة التطبيق»، كشعارات ديكورية تجميلية.
وعلى السلطة التنفيذية أن تدرك وتعي بأن الحرية بأشكالها حرية التعبير وحرية التجمع وحرية تأسيس النقابات والجمعيات، من شأنها أن تعزز الأمن والاستقرار، ويبني جبهة داخلية قوية عصيّة على الاختراقات.