أخبار البلد - محمد علي الزيود
لقد كان لزيارة جلالة الملك عبد الله الثاني إلى باريس الكثير من المضامين والدلالات، وعمق الرسالة، وبعد النظر في عالم مركب تتداخل فيه الأبعاد السياسية والاقتصادية والدينية وغيرها..
ومن وجهة نظرنا لقد كانت زيارة جلالة الملك تحمل في طياتها الكثير من الرسائل، ومن هذه الرسائل؛ ان الأردن يُدين الإرهاب أينما كان، وكيفما كان لونه، وان لا دين للإرهاب.. ومن هنا نجد ان جلالة الملك يرسخ للعالم ان الأردن الثابت على المبدأ وعلى الموقف من مثل هذه الأعمال لن يتغير، وعليه نجد ان جلالة الملك وبهذه الزيارة صنع للأردن موقعا ً متقدما ً يستطيع من خلاله نقد أي نوع من الإرهاب في المستقبل، حيث نزاهة الموقف الإنساني.
أما الرسالة الأخرى والتي تركت عظيم الأثر في نفوس عشرات الملايين من المسلمين في أوروبا وأمريكا، وفي فرنسا على وجه الخصوص، وهذا بشهادة الكثير من صفحات الصحف العالمية، ومواقع التواصل الاجتماعي، وهذه الرسالة والتي تحمل مضمونا ً إنسانياً يعبر عن حس جلالة الملك بهؤلاء المسلمين المهجرين والمهاجرين في تلك الدول الغربية..
نعم ان جلالة الملك عبد الله الثاني قطع الطريق بهذه الزيارة على الكثير من المتربصين بهؤلاء المسلمين، وأجبرهم على عدم الخلط ما بين الإسلام السمح وبين بعض الأفراد الذين يدعون إسلامهم ويعبرون عنه بتلك الطرق.
نعم ان جلالة الملك يعي كيف يفكر الغرب، ووجد نفسه ملزماً على تحمل مسؤوليته اتجاه العرب والمسلمين المقيمين في أوروبا وأمريكا من طلبة علم ورجال أعمال وعمال، فكانت الزيارة الملكية والتي صنعت من الأردن وسيطا ً نزيها بين هؤلاء العرب والمسلمين وبين أهل أوروبا وساستها، واستطاع جلالته ان يعكس الصورة الحقيقة لهؤلاء وان الأعمال التي حدثت لا تعبر عن رأي ولا إحساس او عقيدة من يقيم في الغرب من المسلمين.
نعم ان جميع العلوم مترابطة، ولا يمكن الفصل بينها، ورغم موقفنا الرافض لكل من يسيء لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وتحت أي حجة، غير ان هنالك فلسفة خاصة بالغرب تسمى حرية التعبير، وأنهم أي الغرب يتعامل مع هذه الحريات ككل لا يتجزأ، ورغم فهمنا المتواضع للحريات الفكرية والعقائدية لدى الغرب، والتي كان سبب نشأتها هو إعطاء بعض الحقوق للأقليات للتعبير عن معتقداتهم، ومن هنا ربما يجد المسلمون أنفسهم في أوروبا أمام خيارات صعبة تتعلق بحرياتهم الدينية؛ من بناءٍ للمساجد وإقامة للصلوات والشعائر ووجود محطات فضائية تختص بهم، بل ربما يتعدى الأمر ذلك إلى ما يرتدون من لباس يعبر عن دينهم..
لقد كانت زيارة جلالة الملك عبد الله الثاني بمثابة قطع الطريق على المنظرين والمتشددين من المفكرين الغربيين، والذين وجدوا بهذه الحادثة حجة للتضييق على المسلمين في دولهم، واستطاع جلالته ان يعرف المسلمين المقيمين في أوروبا على وجه الخصوص على أنهم أصحاب دين سمح، ولديهم القدرة على التعايش مع الآخر، بل والبناء والتطوير في تلك الدول، وان ما حدث لا يعبر عن هؤلاء لا من قريب ولا من بعيد، ولا يجب ان يعاقبوا على ذنب لم يقترفوه ولم يؤيدوه..
لقد عبر الكثير من أبناء الجاليات العربية والمسلمة في أوروبا عن عظيم زيارة جلالته الأخيرة إلى باريس، وأنها كانت بمثابة البلسم، وان جلالته كان النصير الحقيقي لهم وخير المعين وصاحب صوتهم المسموع في تلك الدول.
ziud1@yahoo.com