أخبار البلد -
أكثر ما أضر بمسيرة التضامن مع الشعب الفرنسي، تنديدا بقتل 12 صحفيا وعاملاً في صحيفة "شارلي إيبدو"، إضافة إلى خمسة مواطنين آخرين في هجمات لاحقة، هو حضور رئيس وزراء إسرائيل، القاتل بنيامين نتنياهو، والذي كان يليق أن تُرفع في وجهه، في المسيرة ذاتها، يافطات إدانة لقتله، كما من سبقه من قادة دولته، آلاف الفلسطينيين والعرب، على مدى عقود.
بيد أن حضور نتنياهو في باريس، وإصراره على أن يكون في الصفوف الأولى للمسيرة، لا ينفصلان عن التطور التاريخي لدولة إسرائيل؛ إذ قامت على لعب دور الضحية، والذي أتقنت أداءه أمام العالم، لتقنعه بأنها ضحية الإرهاب العربي والمسلم. وساعدها على تنفيذ ذلك سيطرتها على مراكز صناعة القرار في العالم أجمع.
الرأي العام العربي، وليس الأردني فقط، انقسم بشأن ضرورة المشاركة في مسيرة باريس، بين مؤيد ومعارض. وهنا تلزم الإشارة إلى ضرورة الفصل بين من حضروا وهم يجسدون فعلاً القتل والإرهاب، كما هي حال نتنياهو، وبين أهمية حضور من يمثل الإسلام المعتدل باعتباره صوت الأغلبية العظمى من الشعوب العربية والإسلامية التي تدين القتل، لكنها تقف حائرة أمام تواطؤ عالمي في مواجهة الإرهاب الذي تعاني منه هذه الشعوب. ولنا فيما يحدث في فلسطين المحتلة المثال الأوضح على امتداد عقود، وكذلك ما يقع الآن في سورية والعراق.
بالمحصلة، يبدو حاسماً إعلاننا رفض القتل والإرهاب أيا كان عنوانه وذريعته، رغم الازدواجية الأممية القاتلة في التعامل مع قضايا العرب والمسلمين الذين يتجذر في داخلهم شعور عميق بأن العالم طالما كان مجحفا بحقهم.
فرنسا، الضحية الأخيرة للإرهاب، كانت لها مواقف محترمة من قضية العرب المركزية، فلسطين، تجسد آخرها في تصويت الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) بتأييد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ثم تصويت الحكومة الفرنسية لصالح مشروع قرار عربي في مجلس الأمن الدولي يطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في غضون ثلاث سنوات. وهو القرار الذي حاز تأييد ثماني دول فقط من الأعضاء في المجلس، هي إضافة إلى فرنسا، روسيا والصين والأرجنتين وتشيلي والأردن ولوكسمبورغ.
ومن ثم، يبدو غياب العرب عامة والأردن بشكل خاص عن تظاهرة باريس المليونية يوم الأحد الماضي، أمرا غير متوقع، بل وعاطفي بدرجة كبيرة، في ظل تشكل رأي عام عالمي ضد الإسلام، عبر اتهامه بأنه مصدر الإرهاب، مع ما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة من حرب عالمية على ديننا، فيما الحقيقة التي يجب التأكيد عليها هي أن الإرهاب لا دين له، بل ويثبت التاريخ أن كل الأديان قد وُظفت في وقت ما مبرراً للقتل والدم والإرهاب.
وسط هذه المعطيات، يبدو من السذاجة السياسية أن يغيب العرب والمسلمون عن فعالية عالمية للتنديد بالإرهاب، لنترك الساحة فارغة لإرهابيين كبار فعلاً، ملطخة أيديهم بالدم، وفي رقابهم آلاف الأرواح البريئة، مثلهم الأوضح نتنياهو. ففي الحضور رسالة حاسمة وواضحة بشأن الإسلام، الذي هو في جوهره معتدل يرفض التطرف، إضافة إلى تعبير هذا الحضور عن تطلعات العرب إلى السلم ونبذ العنف. بعبارة أخرى، فإن المشاركة في مسيرة باريس كانت ضرورة، لنقول بوضوح وبصوت عال إن ثمة صوتا عربيا ضد الإرهاب، وهو بذلك يخدم القضايا العربية.
الأردن منذ سنوات أعلن موقفه من الإرهاب، وخاض معارك طويلة ضده. والجبهة ما تزال مفتوحة، والمعارك كر وفر. وحتى لا نمنح أعداءنا الفرصة التي يتوقون إليها لوصمنا بالإرهاب؛ وحتى لا نفقد التعاطف الذي بدأت تحرزه القضية الفلسطينية خلال السنوات الماضية؛ وحتى تتغير الصورة النمطية التي يُخشى أن تعود بعد حادثة "شارلي إيبدو"، فقد كان حصيفاً تماماً حضور الملك والملكة في باريس، لنقول للعالم أجمع إننا ضد الإرهاب والقتل وسفك الدماء.
علينا أن لا نترك الساحة العالمية للإرهابيين، من كل دين، فيمضوا في قتلنا وإرهابنا. وهذا هو المنطق، وهذا ما تتطلبه مصلحة العرب قبل أي أحد آخر.