ما دفعني للكتابة، مرة جديدة عن العفو العام
،عدة اتصالات تلقيتها مجددا من أسر و أشخاص لديهم أحكام صادرة ومنفذة ، وهم من شريحة
القضايا المالية التي تدخل في باب تعذر الحلِّ أو ما يسمَّى العُسر المالي ، وتقوم
الجهات الدائنة بتنفيذ الحكم عليهم كل عام .
هناك عائلات جمَّة يحدوها الأمل ، بصدور العفو العام
، الذي يهب لها روحا جديدة ويحلُّ الازمات
التي تمرُّ بها ، ويسهل عليها ظروف الحياة التي أصبحت صعبة على الجميع خاصة إذا علمنا
أن عدد الزيارات التي تمت لنزلاء الاصلاح حتى نهاية شهر تموز الماضي بلغت -بحسب أرقام
الأمن العام المنشورة على الموقع الالكتروني لمديرية الامن- قرابة نصف مليون زيارة
الا قليلا .
ترى ، هل نقرأ جيدا أرقام الزيارات وأماكنها
بحسب مواقع مراكز الاصلاح الجغرافية وأثرها الاجتماعي وكلفها الاقتصادية على الأسر
التي تمرُّ بمثل هذه الحالات ، وهنا لا أريد أن أدخل بالارقام ولعبتها وتحليل الكلف المنبثقة عنها، خاصة أن عدد نزلاء مراكز الاصلاح
قد يصل الى قرابة 35الف نزيل في جميع القضايا ، وتبلغ الكلفة اليومية للنزيل حوالي
16دينارا ،وشخصيا أظن انه رقم غير معقول.
وما يثير الانتباه هنا أرقام الموقوفين
اداريا من بين المجموع الكلي حيث يبلغ عددهم قرابة عشرة آلاف، جلهم بقرارات صادرة من
الحكام الإداريين ، بما يدفعنا الى التساؤل عن صلاحيات التوقيف الاداري والتوسع بها
بصورة ملفتة للانتباه ولا مبرر لها .
في ضوء كل المعطيات التي جرى تقديمها نرى
أن العفو العام قد أصبح ضرورة وطنية ، تقتضيها مصالح الدولة ، ومصالح المجتمع والسلم
الاجتماعي وحتى لا يقول من في نفسه ريب أن العفو قد يشمل أصحاب الجرائم الكبرى مثل
الخيانة العظمى والقتل مع سبق الإصرار والترصد وهنا نردُّ بالقول إن سياسة العفو العام
التي درجت عليها الدولة الأردنية خلال السنوات العشر الأخيرة ،قامت على وضع جملة من
الاستثناءات.
نتمنى أن يتسع صدر الدولة لهفوات الناس
وظروفهم وتقدر مصالح العباد والبلاد وتدور معها ماكينة العفو العام بصورتها القانونية
لتكون صفحة جديدة من التسامح والعطاء وإعطاء الفرصة لمن تورط أو من دفعته الظروف إلى
ما لا تحمد عقباه ودائما يكون الصفح هو الثمرة التي تزهر من جديد وتعيد البناء وتقلل
الأخطاء ويحضرني هنا مطلع قصيدة لشاعر لبناني هو «عبد اللطيف فتح الله»، أديب، من أهل
بيروت، تولى فيها القضاء والإفتاء:
العَفوُ مِن شِيَمِ الكِرامْ وَالصّفحُ مِن شَأنِ العِظامْ وَأَخو الشّهامَةِ من عَفا..!