تهمس الجهات المانحة محتجة على التصعيد الأردني حيال ضعف المنح والمساعدات المقدمة للمملكة، وهي التي استقبلت نحو 700 ألف لاجئ سوري في غضون السنوات القليلة الماضية.
كذلك، فإن منظمات المجتمع المدني في الأردن، وتحديدا الدولية منها العاملة في مجال الاستجابة للجوء السوري، تصعّد من جانبها النقد للطرح الأردني في الغرف المغلقة، مؤكدة أن الخطاب الحكومي المستخدم هنا لن يفيد بل سيضر؛ وأن ما تتم المطالبة به من زيادة في المنح المباشرة للحكومة هو أمر غير وارد.
الأردن يطلب، صراحة، توجيه الأموال للخزينة العامة، بحيث تتسلمها الحكومة، وذلك استناداً إلى أن هذه الأخيرة هي الأعلم بالبلد وبترتيب أولويات احتياجاته؛ وهذا صحيح. لكن المنظمات الدولية ترفض ذلك، بحجة أنها الأقدر على توجيه الإنفاق؛ منكرة في الوقت ذاته أنها والعاملين فيها مستفيدون بشكل كبير جداً من هذه المبالغ الضخمة لاسيما من خلال الرواتب المرتفعة المقدمة في هذا السياق، كما تجزم بذلك دراسات تكشف النسبة المرتفعة من المنح التي تذهب للنفقات الإدارية عموما.
الأردن الرسمي ما يزال يصر على موقفه بهذا الشأن، وهذا حقه. إذ إن المملكة هي من يستضيف هذا العدد الهائل من اللاجئين، ومجتمعاتها المحلية هي المتضررة. وآخر نداء وموقف في هذا الاتجاه كان ذاك الذي عبر عنه الملك عبدالله الثاني في خطاب العرش، في افتتاح الدورة العادية لمجلس الأمة، يوم الأحد الماضي.
الملك قال بالحرف: إن "الأردن نهض بدوره القومي والإنساني تجاه الأشقاء من اللاجئين السوريين. ومع تقديرنا الصادق والكبير للدعم الذي تلقيناه من أشقائنا وأصدقائنا، فحجم الدعم الدولي لم يرتقِ إلى مستوى الأزمات وتبعات استضافة اللاجئين، وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته في تقديم المساعدات للاجئين، وللأردن، وللمجتمعات المحلية المستضيفة".
الأردن قال ما لديه. لكن المنظمات، الدولية خصوصاً، تواصل التعبير عن عدم رضاها عن لغة الأردن؛ ربما لأنها متضررة من المطلب. ورغم أنها تنقل الاحتجاج الأردني لدولها، إنما من دون التوصل إلى نتيجة تخفف من العبء الاقتصادي والاجتماعي للجوء السوري على المملكة ومجتمعاتها المحلية.
بين ما يقدمه الأردن وبين الحلول القليلة المتوفرة، ثمة بون شاسع. والظاهر أن التعنت تجاه المطالب الأردنية سيزيد الموقف تعقيدا، وربما يضع المملكة أمام خيارات صعبة، صارت مقبولة من شرائح واسعة من مواطنيها، تتأثر سلباً بنتائج اللجوء السوري؛ لناحية انعكاس ذلك على السكن والعمل والبنية التحتية والتعليم. إذ لا يتوقع أحد من سكان قرية يبقى طلبتها من دون مدارس لمدة أسبوع، احتجاجا على الاكتظاظ، أن يعبروا عن انزعاجهم من قرارات حاسمة تجاه حركة اللجوء السوري.
على المجتمع الدولي والجهات المانحة إدراك أن تصعيد الأردن لا يأتي من فراغ، بل هو نتيجة حاجة ماسة لدعم يكفل الوفاء بحاجات الإخوة السوريين الذين يظلمهم المانحون ويصعّبون لجوءهم، حتى يكاد يغدو على درجة من القسوة لا تقل عن قسوة نظامهم الدموي. وبدهي أن دعم المجتمعات المستضيفة هو أحد أركان الوفاء باحتياجات اللاجئين.
حركة اللجوء مستمرة، والأعداد بازدياد. فرغم غفلة الإعلام وتركيزه على الحرب ضد "داعش"، إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة أن ضحايا النظام من القتلى واللاجئين في ازدياد، إنما من دون إحساس كاف من المجتمع الدولي بالمسؤولية تجاه اللاجئين، كما تجاه المجتمعات المحلية الأردنية عموماً التي تدفع بدورها كلفا عالية.
التخفيف من مشاكل الأردن حاجة ملحة. إما أن يكون الحل بزيادة المساعدات بما يغطي الكلف، أو التفكير في حلول أخرى، من قبيل إنشاء منطقة عازلة تضع حدا لمعاناة الأردن والسوريين معا.