ثمة مواصفة خاصة للشخصية الفلسطينية تستوجبها ظروف الاحتلال والمعاناة والهجرات في بلدان اللجوء , وهناك مقاييس لا يمكن لفلسطيني ان يتنازل عن اشتراطاتها مهما كانت الظروف والاحوال , ولكن تكرار الازمات وتراجع صورة الشخصية الفلسطينية بحكم معاهدة السلام وما سبقها من انكسارات وما تلاها من تفريطات انتج ظاهرة الفلسطيني " الدايت " او ما يسمى في علم المشروبات الغازية " زيرو كاليري " .
هناك من اختزل الفلسطيني بالشخص المقيم على اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة فقط , وبالتالي اسقط ملايين اللاجئين والنازحين , وهذا الاسقاط هو الثيمة الرئيسة التي تتعامل بها السلطة الفلسطينية على وجه الحصر , فهي لا تتعاطى مع فلسطينيي الشتات كجالية فلسطينية مقيمة على ارض الغربة بل تتعامل معها بوصفها شعب شقيق يقيم على ارضه وبين ناسه في بلدان الشتات وتستحي ان تلتقي بالجالية الفلسطينية وتخجل من انتاج نوادٍ خاصة بهم او من فتح ابواب السفارات للجالية .
هناك ايضا من اختزل الوجود الفلسطيني خارج الارض الفلسطينية بمخيمات اللاجئين وكأن الذي خرج من حدود المخيم خلع فلسطينيته على حدوده وسار عاريا من هويته الوطنية طالبا اللجوء السياسي في الاجواء المجاورة او البعيدة , وهذا نفسه الذي تعامل مع الفلسطينيين المقيمين داخل المخيم على الارض الفلسطينية باعتبارهم لاجئين خدشوا وجه المدينة الفلسطينية ويجب معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية او طُلقاء وهذا انتج حالة الصراع الطبقي والثوري داخل المجتمع الفلسطيني نفسه .
المواصفة الفلسطينية هي مواصفة ثابتة معيارها عدم التفريط بأي شبر من ارض فلسطين لا تحت ذريعة الواقعية السياسية ولا تحت ذرائع الحلول المرحلية غير المؤدية الى التحرير النهائي , فكل شبر من ارض فلسطين مملوك على الشيوع ولا يحق لاحد التصرف به , بعد ان كثُر الحديث عن حق تقرير المصير مربوطا بالمقيمين على الارض الفلسطينية في حدود عام 1967 , وهي تقزيم لتعريف الفلسطيني الذي سبق تعريفه في ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية المأسوف على بنوده .
امس وفي حوار لاسرة الدستور مع رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض , نفى الرجل عن نفسه تهمة الفلسطيني الدايت , لكنه لم يعرّج على تعريف الفلسطيني , والبديهيات هي مكمن الخطورة , وترك تعريف الفلسطيني الى البداهة النظرية اثمر عن تثبيت معنى الفلسطيني المختزل بالمقيم على ارض الضفة وغزة او ماتبقى منها , في حين ان فلسطينيي الشتات من سكان المخيمات والمدن صار ملفا على طاولة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين ووزارات خارجية دول الشتات .
بعد اوسلو وما جرّته من ويلات عادت القضية الفلسطينية الى اولى عتباتها , وليس صحيحا انها تقدمت الى الامام بدخول منظمة التحرير وفصائلها الى اراضي الضفة والقطاع , لأن هذه العودة وحسب اقوال فياض جاءت لتثبيت حق اسرائيل في الوجود بأمن وسلام , اي ان العودة ليست فاتحة الدولة بل هي نهايتها لانها جاءت ضمن اتفاقية لم تنصّ صراحة او ضمنا على دولة فلسطينية وجاء ذكر ترسيم الحدود فيها بوصفه ترسيما داخليا لحدود بلدية او مجلس قروي , داخل حدود الدولة الامنة .
بديهيات العودة الى اولى العتبات للتحرير هو تعريف الفلسطيني داخل الارض الفلسطينية وخارجها , والعودة الى جوهر المقاومة الفلسطينية والغاء اوسلو بكل تداعياتها وملاحقها , بعد ان كشف سلام فياض ما كشفه في حوار الدستور والذي يوحي بمجمله ان الخديعة الكبرى للشعب الفلسطيني لم تكن في 1947 ولا في وعد بلفور بل كانت في اتفاقية اوسلو وما تلاها من ملاحق وتسميات .