أخبار البلد - موسى شتيوي
قدم جلالة الملك، خلال لقائه كتلة التجمع الديمقراطي النيابية، رؤية متكاملة تشكل إطاراً فكرياً وخريطة طريق سياسية وفكرية للحرب على الإرهاب.
ولا جدال بشأن بروز الصراع الإسلامي الداخلي الذي يرتقي للحرب الأهلية، وهو يتمدد داخل المذهب الواحد لتتمخض عنه صورة جلية بين مئات الجماعات المتناحرة في سورية عن صورة الصراع حول جوهر الإسلام ورسالته. وهنا نلتقط رؤية الملك الواضحة في محيط ضبابي بتفسير الحرب بين الاعتدال والتطرف. وهذا جزء من المخاض الفكري والسياسي والحضاري في المجتمع العربي والإسلامي في هذه الفترة.
إذن، فالمعركة داخلية بامتياز، وليست صراعاً بين الحضارات، كما يحلو للبعض أن يسميها؛ لأن التطرف لا يمكن أن يكون حضارة، أو أن ينتج حضارة. ونقيض التطرف هو الاعتدال؛ وهو الرسالة التي آمن الأردن بها وتبناها عبر قيادته، والتي عمل الملك على بلورتها وتكريسها بشكل واضح منذ أكثر من عشر سنوات، من خلال رسالة عمان، وكلمة سواء، وتأكيده المستمر في المنابر الدولية والمحلية كافة بأن جوهر الإسلام هو الاعتدال، والتعايش، وقبول الآخر. وبهذا، فإن التطرف هو نقيض جوهر الإسلام، وبالتالي فهذه الأيديولوجيات المبنية على التشدد تخوض حرباً على الاسلام قبل أي شئ آخر.
هذا الفهم العميق يقود إلى نتيجة منطقية، بأن محاربة التطرف هي مسؤولية ومصلحة عربية إسلامية في الأساس. ولامجال للهروب إلى الأمام، وتصوير الصراع وكأنه بين الإسلام والآخر.
وانطلاقاً من هذا التصور، فلا مجال أمام الدول أو الكتل السياسية لممارسة لعبة الحياد أو ما يسمى "المنطقة الرمادية" في اختيار المواقف؛ ليس من باب "إما معنا أو ضدنا"، ولكن لأن المسألة لا تحتمل التأويل، فإما أن نكون أو لا نكون مع التطرف أو الاعتدال.
الرسالة الثانية المهمة في حديث الملك، والتي لا تقل أهمية عن الأولى، هي أن التطرف ليس حكراً على دين معين أو منطقة بعينها، وإنما هو ظاهرة عالمية، ومن أخطرها في منطقتنا العربية التطرف الصهيوني، والذي يعتبر في تاريخ المنطقة الحديث سابقاً على التطرف الإسلامي، وقد يكون أحد أسباب هذا الأخير أو ذرائع نشوئه. وبالتالي، فإن المجتمع الدولي مطالب أيضاً بمحاربة هذا التطرف والتعنت والصلف الصهيوني، ووقف ممارساته العدوانية الصارخة ضد الشعب الفلسطيني. وهذه رسالة موجهة للمجتمع الدولي، وخاصة الدول الغربية.
وحسب هذا الفهم، فإن مشاركة الأردن في الحرب على التطرف والإرهاب تأتي من هذا المنطلق، ودفاعاً ليس فقط عن مصلحة الأردن كوطن، وإنما أيضاً دفاع عن الأردن الفكرة؛ الأردن المعتدل والوسطي؛ دولة وشعباً ونموذجاً حضارياً في هذه المعركة الأيدولوجية مع التطرف.
لقد بات الأردن اليوم يشكل أحد النماذج المهمة عربياً واسلامياً، في قدرته على حمل رسالة الاعتدال الديني والفكري والسياسي، ليكون دولة لكل مواطنيه، بغض النظر عن خلفيتهم الدينية؛ فالتعايش واحترام التنوع هما من قيم الدولة الأردنية العليا الإنسانية في عالم يتجاذبه الإرهاب والشر.