يس غريبا ماقاله وزير الدفاع الاسرائيلي، بل الغريب جداً، ان يشعر كثيرون بمفاجأة متأخرة، فأما انهم جهلة، او انهم يدعون انهم جهلة.
وزير الدفاع الاسرائيلي موشيه يعالون قال إن اسرائيل ستواصل سيطرتها الامنية الجوية والبرية في يهودا والسامرة - الضفة الغربية - وقال في مقابلة مع صحيفة «يسرائيل هيوم» انه لا يسعى الى ايجاد حل مع الفلسطينيين فهذا أمر مستحيل لأسباب كثيرة وانما إلى إدارة الصراع بين الطرفين، واشار الى ان الفلسطينيين يريدون تدمير دولة إسرائيل ولن يكتفوا بانسحاب إسرائيلي الى حدود عام 1967 مشيرا الى ان ما يسمي بالقضية الفلسطينية مشروع عربي إمبريالي لتقسيم الأراضي الإسرائيلية التاريخية.
معنى كلام وزير الدفاع الاسرائيلي، ان لادولة فلسطينية في الافق، كما ان الواقع يقول إن الارض المتاحة لاقامة هذه الدولة باتت قليلة، ومقطعة الاوصال، ولاروابط بينها جغرافيا، في الوقت الذي تتم فيه مصادرة بقية الاراضي، والاستيطان، وتهويد القدس.
هنا تسأل لماذا يتخفى العرب وراء الكلام الدبلوماسي عن الحل السلمي، وهم يعرفون ان هذا الحل غير ممكن جغرافيا ولاسياسيا، كما ان ادامة الكلام عن الحل السلمي، مجرد منح وقت لاسرائيل لاتمام مشروعها في تهويد كل فلسطين، فهي فسحة زمنية يمنحها العرب عن طيب خاطر للاحتلال؟!.
اسرائيل ودول عربية كثيرة، لاتريد اقامة دولة فلسطينية، نهائيا، لانهم لايريدون دولة تكون بمثابة القلب الجاذب للفلسطينيين في العالم، سياسيا واقتصاديا ودينيا، وذات هذه الحزمة ترى في الدولة الفلسطينية تهديدا لوجودها، بمعنى ان هناك حسبة اسرائيلية عربية مشتركة، تتفق على دفن ملف القضية الفلسطينية، وتخليص الجميع من هذا الصداع المزمن، مقابل بقاء أنظمة حكم عربية، ودول سياسية في مكانها على الخارطة، ومقابل حفظ النفوذ المتوازن بين اسرائيل وهذه الشبكة السرية من العلاقات مع العرب، وفرق الحسابات هنا يدفعه الشعب الفلسطيني فقط.
هناك نظام عالمي يهودي جديد يتأسس في المنطقة، وسيتم احلاله عن النظام العالمي السابق، وهو نظام، سيتحكم في كل المنطقة وثرواتها وشعوبها، على طريقته، واسرائيل الكبرى، قد يتم استبدالها بإسرائيل العظمى، من حيث النفوذ والقوة والامتداد والسيطرة على المنطقة وكل من فيها، وما الفوضى التي نراها الا في سياق الخلخلة التي تقود الى هذه النتيجة، وكل الدول الغربية بما فيها واشنطن تستعد لاخلاء المنطقة كليا، للقوة الجديدة.
ثم ان قيام دولة فلسطينية مستحيل، لسبب ديني، اسرائيل دولة دينية، وتريد ان تكون دولة دينية لليهود وعنوانها القدس اليهودية، وفلسطين، تريد ان تكون دولة لها دلالتها الدينية ايضا بمقدسات المسلمين والمسيحيين، في القدس وبيت لحم، وهذا يعني مناددة بين مشروعين سياسيين لكل واحد منهما سماته الدينية، وهذا امر يستحيل ان تقبل به اسرائيل.
تسمية الضفة الغربية بيهودا والسامرة دليل على ان التصنيف الديني لهذه الارض، يجعل اعادتها للفلسطينيين كاملة، عملية مستحيلة، لاعتبارات دينية، والذين يريدون عزل الدين عن الصراع اما انهم يريدون الكذب علينا، او انهم يريدون نزع الدين من الصراع، على الرغم من وضوح مؤشراته في كل شيء، ولا اعجب الا ممن يحذرون من حرب دينية في المنطقة، وكأنها لم تنفجر اساسا، ولاتتواصل بشكل واضح احيانا وملتبس احيانا.
كيف يمكن للرئيس الفلسطيني ولبقية الحكام العرب، ان يواصلوا ذات الكلام عن الحل السلمي، فيما الواقع مختلف تماما، ولماذا لايملك هؤلاء الجرأة للاعلان عن دفن عملية السلام، وهي في المصطلح سلام لاسرائيل ولليهود، وسلام لمشروعها، وسلام لرموزها، ثم سلام لاستراتيجيتها؟!.
فصائل المقاومة في غزة يراد اضعافها، غير انه من المستحيل ان تترك اسرائيل توظيفاتها لثنائية التناقض بين غزة والضفة، لان وقف التوظيف يعني عودة الفرع الى الاصل، وهي بذريعة مقاومة الارهاب لاتريد حماس، لكنها في حقيقة الامر تريد بقاء حماس ضعيفة في غزة، وعلى غير وفاق مع الضفة، لادامة هذا التناقض.
لم يقل وزير الدفاع الاسرائيلي شيئا جديدا.كان صريحا فقط، في تعبيره عن المؤسسة العسكرية والدينية في اسرائيل، ومن يعيشون في الطوابق العليا في القرار العربي، يعرفون ان لا دولة فلسطينية واقعية على الارض، والكل يتسابق لمنح اسرائيل التغطية السياسية، لاتمام مشروعها.
ليس افتتانا بإسرائيل، لاسمح الله، لكن وضع النقاط على الحروف اجدى من استغماية الكذب التي نتورط فيها جميعاً.