سامر سنقرط
تم الحديث في المقال السابق عن تجميد قانون الأوراق المالية لفترة طويلة في القنوات الدستورية وعدم تفعيل نظام (المودع لديه ) لدى الوسطاء الذي من شأنه توفير سيولة جديدة للمتداولين . ويبدو أن عملية الإصلاح الإقتصادي ما زالت تستثني وتتجاهل السوق المالي بالرغم من النزيف المستمر لأسعار الأسهم وأحجام التداول منذ 6 سنوات .
ورغم أن هيئة الأوراق المالية أنجزت العديد من التعليمات الجيدة الناظمة لأعمال سوق رأس المال خلال الفترة الماضية ، إلا أن أهم التشريعات ما زالت قاصرة أو غير مفعلة وابرزها الإستمرار بالسماح بتعويم اسعار اسهم الشركات حديثة التأسيس حسب تعليمات الإدراج لعام 2012 ، حيث ان اسهم الشركات التي سوف تدرج للتداول في البورصة لأول مرة سوف يسمح لها بالتداول مباشرة في السوق الثاني شريطة مرورعام كامل على حصولها على حق الشروع بالعمل. وهذه الفترة تعتبرغير كافية لتقييم أداء الشركة وسعرها العادل ، وأرى أنه يجب إشتراط مرور 3 سنوات على تأسيس الشركة وتزويد البورصة ببيانات مالية سنوية ومرحلية تظهر ارباحا لمدة سنتين على أقل تقدير ، علما بأن السماح سابقا بإدراج عدد كبير من الشركات المساهمة العامة حديثة التأسيس في البورصة وبسعر وهمي معوم يصنعه المضاربين وكبار المساهمين في تلك الشركات أضر بصغار المساهمين وساهم بفقدان الثقة في البورصة . وكان يجب على هيئة الأوراق المالية أن لا تسمح بإدراج هذه الشركات في السوق وبالسعر المعوم ، إلا بعد مرور ثلاث سنوات على الأقل من ممارستها لأنشطتها الفعلية وتقديم بيانات مالية للمساهمين تكون بمثابة سجل تاريخي لأدائها حتى يستطيع جمهور المستثمرين الإطلاع على هذه البيانات وتحليلها لتحديد القيمة العادلة لأسهمها بطريقة صحيحة وعلمية ، علما بأن كثيرا من هذه الشركات تأسست من أجل المضاربة بالأسهم وليس من أجل تنفيذ فكرة مشروع حقيقية وجدية تستند إلى دراسات جدوى واقعية وإفتراضات منطقية غير مبالغ فيها وتكون معتمدة من مدققي حسابات موثوقين ! وإنكشفت هذه الشركات لاحقا مع تزامن تأسيسها مع إندلاع الأزمة العالمية . وهكذا فإن تأسيس هذا الكم الهائل من الشركات الورقية ورفع رؤوس أموال الشركات القائمة دون حاجة فعلية لذلك أسهم في سحب السيولة الفائضة التي كانت متوفرة في السوق في أيام الطفرة الإقتصادية وتوزيعها على أكثر من 250 شركة مساهمة عامة مقابل نحو 100 شركة فقط قبل الطفرة الإقتصادية . ومع إضمحلال السيولة في السوق وإيقاف تداول الشركات المتعثرة جراء الأزمة المالية العالمية ، انكمش حجم التداول اليومي في السوق إلى أقل من 10 مليون دينار مع انكشاف بعض المتداولين بمبالغ كبيرة تفوق قدراتهم الذاتية ، وصاحب ذلك رفع بعض أسعار الأسهم بصورة مبالغ فيها مما أحدث الفقاعة غير المتوقعة والتي إنفجرت فجأة نتيجة إدراج المشاريع غير الجدية في السوق بأسعار معومة مصطنعة . أما الشركات الجيدة فيكون التداول عليها محدودا تظرا لضآلة اسهمها المتاحة للتداول .
كما ان عدم تطبيق قانون الأوراق المالية في بعض الحالات ساهم أيضا بإهتزاز الثقة في البورصة ، حيث لم يتم تغريم بعض الشركات التي لم تنشر بياناتها المالية ولم يتم معاقبة من يثبت تعامله بالمعلومات الداخلية . كذلك فقد أدت صعوبة إجراءآت فتح الحسابات لصناديق الإستثمار الأجنبية وإجراءآتها المعقدة إلى منع هذه الصناديق من دخول السوق وهو ما يناقض التوجهات الرسمية لجذب الإستثمار الأجنبي ، ولم يتم تفعيل تعليمات مركزية المخاطر بالصورة المرجوة من قبل الوسطاء والدليل تعثر احد كبار المتعاملين في السوق مؤخرا بسبب مديونيته الكبيرة لدى الوسطاء . كما ان الإستثمار المؤسسي ما زال ضعيفا ومن احد اسباب ذلك عدم إقرار التعليمات الناظمة لصناديق الإستثمار المشترك منذ ما يزيد عن 7 سنوات !!!!
ومن التشوهات الأخرى القائمة التي يطالب المتعاملون في السوق بإزالتها عدم إظهار الكمية الحقيقية لعمليات البيع والشراء على شاشة التداول وإظهار رقم الوسيط البائع او المشتري ، حيث ان عمليات الشراء والبيع يجب ان تكون على قناعة بالقرار دون النظر إلى هوية البائع او المشتري . كما لا يزال المتعاملون يعانون من آلية تحديد سعر التوازن التأشيري عند إفتتاح أو إغلاق السوق وخاصة بالسعر المفتوح الذي قد يحرم المتداولين من تنفيذ عملياتهم في الوقت المحدد وبالسعر المحدد نظرا لأن هذه الآلية قد تمنع السهم من التداول في الوقت المرغوب للمتعاملين .
ومن ناحية هيئة الأوراق المالية ، فعليها تطبيق قواعد ومعايير الحوكمة الرشيدة وجعلها إلزامية وليست إختيارية والتطبيق الصارم لمتطلبات ومعايير الإفصاح والشفافية التي ما زالت ممارساتها قاصرة من الناحية العملية . وكذلك تحسين الرقابة على نوعية البيانات المالية الصادرة عن مدققي حسابات الشركات المساهمة بما يسمح بزيادة الثقة فيها .
ssunnuqrot@yahoo.com