ءيمارس ثلث أعضاء المجالس النيابية العريقة التصويت ضد قرارات احزابهم بالعادة , في حين يستطيع أي متابع بسيط ان يعرف نتيجة التصويت مسبقا في البرلمانات العربية , خاصة في البرلمان الاردني , الذي يمارس النائب فيه شتى انواع التناقض الذاتي والموضوعي مقابل تسويات صامتة بالعادة .
وتكفي متابعة الاسئلة النيابية الموجهة للحكومة لمعرفة حجم هذا التناقض او كلفة التسوية الصامتة المطلوبة من النائب للتراجع عن السؤال او السماح بدفنه في ادراج المسؤولين الرسميين , ولم يكتب التاريخ البرلماني الحديث تحويل اي سؤال الى استجواب , اما الاستجوابات السابقة فبقيت اسيرة المناورات النيابية الرسمية قبل اعلان وفاتها بتسوية صامتة على الاغلب , ما افقد البرلمان دوره الرقابي والحال التشريعي ليس بأحسن من الرقابي كذلك فلم نسمع عن اقتراح قانون من النواب .
حتى السلوك الغرائزي الشعبوي الذي اعتاد بعض النواب سلوكه لامتصاص غضب قواعدهم الانتخابية بات ممجوجا وسقط بالتكرار عند القواعد الانتخابية التي تعرف جيدا ان هذا النائب سيعود الى رشده الرسمي سريعا بانتظار ان تكشف الأيام ثمن التسوية الصامتة أو مقدار الكلفة على الخزينة سواء بمنفعة في تعيين شخص او تنفيذ عطاء خدمي .
وسط هذه الاشتباكات النَفعية، تقع مؤسسات رسمية ومشاريع وطنية اسيرة لرغبة نائب او سؤال غرائزي يستهدف النكاية والمناكفة بصرف النظر عن الكلفة الوطنية لهذا السؤال , ولعل مهرجان جرش هو اكثر مشروع خاضع للاسئلة الموسمية ويدفع ثمنا للاشتباكات السياسية بين الحكومة والنواب وكأن اقراره ومواعيده تمت قبل عام او في غضون العام الحالي .
المهرجان بسمة أردنية نجحت في الاقليم العربي وبات مصدر جذب لكثير من العرب , وثمة جمهور ينتظره كل عام , والتلكؤ بالأقليم وقضاياه وتفاعلاته واللطمية على القتلى والدم السائر في الشوارع لا تكون موسمية بل هي لطمية دائمة لمن يستشعر الإحساس بالألم ويمارس سلوكا متماشيا مع هذا الاحساس , اما المجتمعات فهي تطوي المها لصالح المستقبل وتسعى الى رسم بارقة أمل , فالحياة تسير ولن يوقفها حدث مهما بلغ حجمه , بل ان الدول التي تجتاحها الدماء تمارس مهرجاناتها وأغانيها من اجل استمرار الحياة .
نقد مهرجان جرش هو علامة سياسية مسجلة لنواب جبهة العمل الاسلامي وقبلهم نواب الجماعة الاخوانية , وهم يعرفون انها علامة سياسية لإرضاء قواعدهم وليس لإلغاء المهرجان , وكل محاولة تلي ذلك من اي نائب لن تمنحه اصوات قواعد الاخوان الذين يجوبون ساحات المهرجان العامة مع عائلاتهم عند انطلاقه , فهذا ثمن سياسي يدفعه الحزب مقابل تسوية سياسية صامتة .
الاسئلة النيابية تنحى في كثير منها الى التطرف مماحكة في المسؤول الرسمي , ولجلب دعاية افتراضية للنائب كي يشغل مقاعد فارغة لنواب اعتادوا الهجوم على المهرجان ونقده , وهذه محاولات بائسة , تشابه محاولات محامي التيار الديني في مصر الشقيقة ممن اعتادوا رفع القضايا عل الافلام الفنية والفنانين لجذب الانظار وتحقيق الشهرة ولكنه اسلوب انتهى ولم يعد مجديا .
المهرجان فقط يتأثر خارجيا بهذه الاسئلة , وتتعامل ادوات الإعلام الخارجية مع الاسئلة النيابية كما هي عندهم وليس من باب النكاية والمناكفة كما هي عندنا , فتثير اسئلة وحرجا للنشاط الوطني , بدل دعمه من اجل تثبيت عنصر الاستقرار في الاردن لإيجاد حالة جذب سياحي واقتصادي , فالمهرجان في هذا الوقت تحديدا , يؤخذ صورة التحدي الاردني لكل موبقات الانفلات الامني في الاقطار العربية , ويؤكد نجاحه أن الاردن جاذب وصائن لكل من يدخل اراضيه سائحا او مستثمرا .