الأزمة بين المدارس الخاصة ووزارة التربية والتعليم، والمرتبطة، بشكل أساسي، بإصرار الوزارة على التزام المدارس الخاصة بالمعايير والتعليمات، والحصول على موافقة الوزارة قبل رفع الرسوم وغيرها، هي فرصة لفتح ملف التعليم العام بكل أبعاده، وإعادة مراجعته بشمولية، تمهيداً لإصلاح التعليم في الأردن.
قد لا يعلم البعض حجم التعليم المدرسي الخاص في الأردن ونموه المطرد. وبحسب إحصاءات وزارة التربية والتعليم المنشورَة في التقرير السنوي للعام 2012 /2013 على موقع الوزارة الإلكتروني، فإن نسبة المدارس الخاصة في الأردن تتجاوز 40 % على المستوى الوطني، وتصل إلى 51 % في إقليم الوسط، و49 % في إقليم الشمال، و21 % في إقليم الجنوب. ويَدرس في المدارس الخاصة أكثر من 25 % من الطلبة. وإذا ما استثنينا نسبة المدارس التابعة لوكالة الغوث، والطلبة الملتحقين بها، فإن نسبة المدارس والطلبة في التعليم الخاص ترتفع إلى أكثر من ذلك.
إن الكثير من الناس يعتقدون أن المدارس الخاصة تقتصر على الأسماء التاريخية لعدد منها، أو تلك المرتبطة بالمدارس العالمية، لكن الإحصاءات تشير إلى عكس ذلك؛ إذ إن غالبية المدارس هي مدارس أردنية، منتشرة من أقصى الشمال إلى الجنوب، مروراً بالوسط الذي يحتضن النسبة الأكبر من هذه المدارس.
إن حجم القطاع الخاص في التعليم المدرسي، والذي تنامى بشكل كبير في العشرين سنة الماضية، يشكل ما يشبه الانسحاب التدريجي للدولة من مسؤوليتها في توفير التعليم العام للمواطنين، ويُعد مؤشراً خطراً على تراجع الدولة ودورها في هذا القطاع الحيوي الذي يجب أن يكون من ضمن مسؤولياتها بالدرجة الأولى.
هذه الوقائع تفتح الباب واسعاً للأسئلة والقضايا المرتبطة بها، ومن أهمها: ما هو السبب الذي أدى إلى هذا التوسع في القطاع الخاص؟ هل هو ضعف التعليم وتراجع مستواه في القطاع العام، أم السياسات الخاطئة التي سمحت بانتشار التعليم الخاص بهذه السرعة وبهذا الحجم؟
إن أغنى الدول الرأسمالية لا تسمح بأن يقع التعليم فريسة معادلة الربح والخسارة، ولا تتخلى هذه الدول عن دورها في الإمساك بزمام الأمور في هذا القطاع الحيوي. فالتعليم في الولايات المتحدة وأوروبا هو مسؤولية القطاع العام، ليس لأنه الوسيلة الرئيسة لإعداد الأجيال وتربيتهم على قيم الدول العليا، بل لأنه أيضاً المدخل لكل أشكال التقدم التكنولوجي والعلمي في تلك الدول.
حقيقة الأمر أن التعليم الحكومي الذي كان فخراً وإنجازاً أردنياً، تحوّل ليصبح لغير القادرين مالياً أو لأبناء الطبقة العاملة والفقيرة. وهذا كفيل بأن يتراجع مستوى التعليم في المدارس الحكومية. والدراسات التي أجرتها الوزارة من ناحية انتشار الأمية في المدارس الحكومية، هو مؤشر على ذلك. في المقابل، أصبح التعليم الخاص مقصداً للطبقة الوسطى والعليا، وبات يُشكل ضغطاً مالياً على هذه الطبقة الوسطى في ضوء الأحوال الاقتصادية السائدة، فأصبح الجزء الأكبر من ميزانية الأسرة يذهب لتعليم الأبناء. هذا من جانب، ومن جانب آخر، صار التعليم المدرسي مدخلاً لتكريس الواقع الطبقي ولزيادة الفرز الطبقي، لا بل إعادة إنتاج التمايز الطبقي في المجتمع. وهذا ينبئ بمشكلة كبيرة سيدفع ثمنها المجتمع والدولة في المستقبل.
إن الأزمة الحالية بين المدارس الخاصة ووزارة التربية، والتي تتلخص بعدم رغبة المدارس الخاصة في الانصياع لتعليمات وقرارات الوزارة، يجب أن تكون فرصة لفتح ملف التعليم الخاص المدرسي والجامعي أيضاً. ويجب أن تكون فرصة لإجراء مراجعة شاملة بكل أبعادها لهذا الملف، يكون هدفها الرئيس استعادة الدولة لدورها ومسؤوليتها في التعليم، من أجل النهوض بالتعليم العام الذي يجب أن يكون عنواناً ومدخلاً للإصلاح في المجتمع.
لا بد للبرلمان من أن يتدخل ويقود عملية المراجعة تلك، وأن يضع المجتمع أمام مسؤولياته.