قانون الأحزاب أحد أهم القوانين الناظمة للحياة السياسية، وقد تعرض قانون الأحزاب إلى عدد من التعديلات والتغييرات خلال العقدين الماضيين، مما يرسل رسالة غير إيجابية عن توجه السلطة التنفيذية ورؤيتها لملف الإصلاح السياسي، وما يعني من سرعة الحديث حول تعديل أي قانون إن ذلك القانون أو تلك القوانين، إما أنها قد سُلقِتْ سَلقاً، وإما أنها مقصودة لتحقق أهدافاً سياسية منها التهرب من استحقاق الإصلاحات الديمقراطية الجوهرية.
بالرغم من تصريحات وزراء في الحكومة، أن مشروع قانون الأحزاب الذي يجري بحثه تمهيداً لإقراره في الدورة الاستثنائية الحالية لمجلس الأمة، هو قانون متقدم ومناسب للحياة السياسية في الأردن، إلا أن القانون لا زال بعيداً عن الحق الدستوري، كما أنه بعيد جداً عن احترامه للمواثيق الدولية التي صادق عليها الأردن، ونشرها في الجريدة الرسمية منذ حزيران 2006، وعلى رأسها العهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية.
لذا فإن مجلس النواب أمام امتحان حقيقي لكيفية إقرار هذا القانون بشكله النهائي، وكما أن القوانين هي المرآة العاكسة الحقيقية لسياسات الدولة أي السلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية، فإن هذا القانون سيشكل التحدي لمجلس النواب حول مدى استقلاليته وابتعاده عن هيمنة السلطة التنفيذية ويعبر عن مدى توفر الإرادة الجادة أيضاً لمجلس النواب لإقرار منظومة القوانين الناظمة للحياة السياسية، وفقاً لمبادئ الديمقراطية المتعارف عليها عالمياً، ووفقاً للعهود والمواثيق الدولية، التي في حال احترامها ستصب إيجاباً في مصلحة الأردن، وسيجله العالم على صعيد تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان.
لذا فإنني أهيب بالمجلس النيابي الأخذ بعين الاعتبار الأمور التالية عند مناقشته قانون الأحزاب:
أولاً: أن تأسيس الأحزاب حق دستوري أساس للمواطنين، طالما أن أهدافه وغياباته سلمية، ولا تخالف أحكام الدستور، أي بكلمات مختصرة فإنه لا يجوز للسلطة التنفيذية فرض قيود أو عوائق أمام تأسيس الأحزاب، عبر اشتراط عدد محدد من المؤسسين، وعبر اشتراط الحصول على موافقات حكومية، هي شروط مناقضة لحق التسجيل الذي يوجب وفقاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية أن يكون بالإشعار فقط.
ثانياً: استقلالية العمل الحزبي شرط أساسي لمبادئ الديمقراطية، فلنتصور أنه لو توصلنا في الأردن الى المرحلة الديمقراطية التي تكفل التداول الحقيقي للسلطة التنفيذية من الحزب أو ائتلاف الأحزاب التي تشكل أغلبية نيابية، فهل ستكون حرية العمل الحزبي متاحة في ظل صلاحيات التدخل بشؤون الأحزاب الداخلية والاطلاع على آلية عملها من قبل الحزب الحاكم؟
ثالثاً: حل الحزب تشكل مادة مخالفة للدستور وللمواثيق الدولية، فلا يجوز حل أي حزب إلا في حالة واحدة وهي استخدام العنف والخروج عن السلمية لتخفيف الأهداف، وبغير ذلك يجب معاقبة من يرتكب مخالفة للقوانين المعمول به في الأردن.
رابعاً: العقوبات يجب أن تترك للهيئة العامة للحزب التي من الأولى أن تقر العقوبات وتحدد المخالفات التي يتم معاقبة أعضاء القيادة أو كوادر الحزب في حال اقترافها.
خامساً: يجب استثناء عمل الأحزاب من الخضوع لقانون الاجتماعات العامة، ذلك القانون الذي هو بأمس الحاجة للتعديل بما ويتوافق مع المواثيق والعهود الدولية.
هذه العوامل هي تحد حقيقي أمام مجلس النواب، بل مطالب المجلس بإلغاء كافة المواد التي تتناقض مع العهد الخاص بالحقوق السياسي والمدنية وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
فهل سينجح مجلس النواب أمام التحدي الكبير؟!