أخبار البلد تنشر مذكرات د: أحمد عويدي العبادي ..الحلقة الثالثة

أخبار البلد تنشر مذكرات د:  أحمد عويدي العبادي ..الحلقة الثالثة
أخبار البلد -  

         

Dr Ahmad Oweidi al-Abbadi

"دكتوراه في العلوم السياسية والاجتماعية

من جامعة كيمبردج/ بريطانيا 1982"

          PhD. from Cambridge University

  In Politics and social studies

 

  

الجزء الأول

 

الطريق إلى البرلمان

My Way To The parliament

 

عضو مجلس النواب الأردني

الحادي عشر والرابع عشر

(1989-1993+ 1997- 2001م)

عمان 1426هـ 2005م 

====================================================

 

معارك برلمانية / الحلقة الثالثة

بقلم المؤرخ والمفكر , د. احمد عويدي العبادي

عضو مجلس النواب الأردني السابق لمرتين

("دكتوراه في العلوم السياسية والاجتماعية

من جامعة كيمبردج/ بريطانيا 1982")

في هذه الحلقة

== محطات داخلية وخارجية أثرت على أدائي البرلماني

== الطريق إلى دراسة  الدكتوراة في بريطانيا  

==صراعي مع مدراء الأمن العام أثناء خدمتي فيه 

== انخراطي في الحركة  الوطنية الأردنية قبل التقاعد

== أوامر بحظر النشاط الذهني والإعلامي

== إحالتي على التقاعد ومنعي من السفر والعمل

== الجوع الحقيقي الذي لحقني بعد التقاعد

الحلقة الثالثة / تفاصيل

     محطات داخلية وخارجية أثرت على أدائي البرلماني

أخبار البلد - محطات ثلاثة  هامة حدثت معي   أثناء دراستي  بالانتساب في  جامعة بيروت العربية / بيروت بين 1968- 1970 , لا تزال عالقة في ذهني وأثرت في شخصيتي العامة والخاصة ومواقفي البرلمانية  . فقد سبق وذكرت في الحلقة الثانية أني انتسبت إلى جامعة بيروت العربية رغم انف التعليمات الرسمية الصارمة التي تمنع ذلك وتعاقب عليه على انه تجاوز للضبط والربط العسكري وعدم الانصياع للتعليمات / لاحظوا كلمة الانصياع وليس التقيد , لان الانصياع تعني الرضوخ للفوقية التي لا تفهم الحوار والنقاش /: أي نمط من العبودية ولكن ب امتيازات شحيحة أمام امتيازات الآخرين , بل التي يعتبر النقاش فيها  من المحرمات.

  المحطة الأولى كانت  في عام 1969 أو عام 1970 لا اذكر بالضبط ولكنني احفظ الحادثة وكأنها أمامي , وعندما كنت في جامعة بيروت العربية وقت الامتحانات سكنت ومعي احد أقاربي الذي كان ملتحقا بالجامعة  أصلا , وذات يوم وبعد تقديمي الامتحان صباحا , عدت ظهرا  إلى الغرفة فوجدت قريبي  مضطربا يذرعها  جيئة وذهابا ويضرب  الكف بالكف ويكاد يفقع أو ينفجر , وعندما قرعت الباب وراني أخذني بالأحضان وهو يبكي ويقول : معقولة ؟ معقوله , ثم أجهش بالبكاء  وأنا في غاية الذهول لا ادري ماذا حدث , وقد عدت توا من الامتحان وأبدعت فيه .

   قال وهو لا يصدق نفسه : الحمد لله انك لا زلت على قيد الحياة , جلست على السرير لالتقط أنفاسي , وسألته ما الذي حدث أو يحدث ؟ قال إن إحدى منظمات الفدائيين في بيروت ولها خلية تقطن  العمارة التي نسكنها تريد اختطافك وهم يراقبونك ويتربصون بك , قلت :  ولماذا ؟ قال لأنك ضابط بالأمن العام الأردني ويعتبرونك من أدوات القمع والتعذيب والقتل ضد رفاقهم بعمان . قلت وكيف عرفت ؟ قال : هكذا اخبره احد الشباب العاملين مع المنظمة وينقلون عنهم الأخبار , ( فالاختراق موجود في مثل هذه الحالات ), وقال انهم جاءوا وطرقوا باب الغرفة وسالوا عنك يريدون اختطافك وقتلك وبكل وقاحة  . قلت لا حول ولا قوة إلا بالله : لا يمكن أن نتجاوز عمرنا  ومصيرنا الذي كتبه الله لنا , ولا يمكن أن نموت قبل أواننا , هكذا تعلمت من والدي البدوي الحكيم بالفطرة . وهنا صاح قريبي . أنت هنا تتفلسف والقوم يريدون قتلك ؟ قلت وكلها لله , وتداولنا الأمر من قطع الدراسة والعودة الآن إلى تغيير الغرفة إلى البقاء إلى مجابهة المصير . وأخيرا قررت البقاء في ذات الغرفة ومواصلة امتحاناتي , وأمري إلى الله . وذهب قريبي إلى امتحانه المسائي وبقيت وحدي في الغرفة  .

   بعد وقت من التأمل بين الخوف والرجاء والأمل والألم نزلت إلى الدكان المجاور  للعمارة لاشتري طعاما وخضارا للغداء . كنت جائعا بالفعل , وعندما اشتريت الأغراض ووقفت عند أرضية المصعد , وإذا بثلاث رفاق يحيطونني وهو يتغامزون ويتهامسون ويشيرون إلي . كانوا فتاة حسناء اكتشفت أنها مسئولة الفرقة , وشابين مفتولي العضلات , وفهمت من عيونهم أنهم يريدون اخذي من داخل المصعد وليس من بابه الخارجي . وهنا رأيت انه حانت لحظة الحقيقة  ومجابهة مصيري على أيدي مجموعة من الزعران والبلطجية ,  وأنه ليس بيني وبين الموت  سوى دقائق , ولن أتمكن من تناول الطعام الذي اشتريته توا . في هذه اللحظات تشكل رباطة الجأش أساسا لمجابهة التحدي , وقد آتاني الله ذلك دائما والحمد لله . .

      وعندما نزلت  قمرة المصعد إلينا فتحته وقلت لهم مبتسما  : تفضلوا يا رفاق . وهنا شعرت أن صاعقة نزلت عليهم ووقفوا قليلا دون أن ينبسوا ببنت شفة  , فكررت قولي : تفضلوا أيها الرفاق المناضلون المجاهدون : وهنا , وبعد تبادل النظرات بين الرفاق الثلاثة , قالت الفتاة الحسناء , تفضل أنت يا أخ , قلت وأنا لازلت ماسكا بباب قمرة المصعد , كيف لمثلي أن يتقدم على الرفاق .  وعندما  أدركت بسرعة  أن الفتاة هي التي تقودهم رأيت أن أوجه إليها  كلاما يجعلها إلى جانبي لان الغواني يغرهن الثناء حتى ولو كانت إحداهن أقبح من الضب  أو القرد الأجرب . قلت : كيف لي أن أتقدم على شمسين مع قمر لكنهما شمسان عاجزتان أن تغطيا على  هذا القمر  . وهنا قالت الرفيقة : ينصر دينك أي هذا الكلام الذي يملا الرأس ويعبر عن الحقيقة  , مش مثل الرفاق ما يعرفوا يقولوا كلام حلو : تفضل أنت  قسما بالثورة والبندقية إلا صعدت أمامنا . وهنا شعرت أن التقرب من الفتاة سيعزلها عن الرفاق ويمنعهم من إيذائي ,ويجعلني في مأمن إن شاء الله وهو ما أريده ليس إلا .

        صعدنا فقالوا أين تريد , وشعرت أن ذلك امتحان لي . قلت حيث تريدون انتم . فقالت الفتاة دعنا نكمل مشوار الكلام الحلو تعال إلينا بالشقة , وكانوا في الطابق الرابع أو الثالث لا اذكر بالضبط  وكنت في الطابق الخامس .  دخلت معهم إلى شقتهم وهنا وجدت قطيعا كاملا من الرفاق  المسلحين , وإذا بالشقة مليئة بالأسلحة وأدوات أخرى اعرف أنها للتعذيب من خلال خبرتي الأمنية , وشعرت أن نهايتي قد حانت وان منيتي قد دنت , واستغربت مالهم ولضابط أردني بدوي يافع لم يأتي للتجسس عليهم بل لبناء نفسه وللدراسة والتعلم ؟  .

      وهنا استنفر القطيع وبأيديهم أسلحة  لإظهار القوة إمام رجل غريب سحنته بدوية ( حضرتي )  دخل عليهم وحسبوا أنني مساق للاعتقال والتعذيب والقتل وان عليهم أن يبداوا مهمتهم فورا , وهي المهمة التي ربما اعتادوها مع غيري في غمرة الفوضى الأمنية  . ويبدو أنهم ممن  ساهم في مراقبتي وحسبوا  أن لحظة التعذيب والقتل قد حلت وان منيتي قد حانت . وهنا خرجوا وهم يشتمون الأردن والنظام بالأردن ورموزه , وأنا أهز راسي  وهم يحسبون أنها الموافقة  مني, وأما أنا فكنت في الحقيقة مهتما بسلامتي الشخصية وليس بسلامة من هم في عمان . وهنا غابت الفتاة قليلا في إحدى الغرف  , وأنا لا أثق بأي منهم  ذكرا كان أم أنثى  , فالله خير حافظا وهو ارحم الراحمين , ثم عادت الرفيقة الحسناء وقد زادت من زينتها لتقول لي :  افهم الرفاق أنني قمر , وأنهم ليسوا كذلك وان القمر هو الذي يبدد بنوره الظلام  , وأنت في ضيافتنا حتى يفهمون .

   هنا وجدت نفسي مأسورا ومجهول المصير واعتبرت كلامها تهديدا وأنها ستأمر بقتلي بحجة عدم قدرتي على التعبير بكلام يرضيها , وان الحقد ألدفين لم ولن ينجلي بالابتسامات فكل منا يضحك على الآخر , والفارق أنني لست قاتلا لهم لكنهم قاتلي لا محالة , وهم يريدون أن يتقدموا من أسيادهم وزعاماتهم فيما يسمونه الثورة أنهم اختطفوا وقتلوا ضابطا في الأمن العام الأردني , وحين يقتلونني  سيقولون أنني  احد كبار ضباط الأمن العميل الخائن الذي جاء يتجسس عليهم , لكنهم لن يشيروا إلي كشاب يافع طموح جئت للدراسة مخالفا للتعليمات الرسمية العلوية والمتوسطة وصرت بين نارين, نار الكداشة في عمان الذين لا يريدون لأبناء العشائر العلم , ونار القتل على أيدي المخربين والزعران في لبنان  , وان قتلي سيعطي تنابلة عمان المبرر للبطش بكل من يريد القراءة من أبناء العشائر , بحجة الحفاظ عليهم من الخطف والقتل  .

    . قالت الرفيقة الفتاة  وهي توجه الكلام إلي بوجه شعرت انه يبيع الثورة من اجل تحقيق ألذات , افهم الرفاق أن القمر يغطي على الشموس : قلت لها صراحة :  ترى لو قلت لهم ما تريدينه ما هي الجائزة . قالت : تصبح رفيقا منا  لك مالنا وعليك ما علينا . إنها المساومة حتى بالكلام المعسول , ولا حول ولا قوة إلا بالله ألعلي العظيم .  فنظرت من حولي في الشقة الواسعة  وأنا أرى قوما ما افلحوا وهم يولون أمرهم لفتاة ضيعت الهدف من اجل  كلمة إطراء , إنها إرادة الله سبحانه , فانا محظوظ ورضي والدين , إذن لابد أن أغرقها بالشعر لكي  أنجو من الغرق والخطف والقتل المحقق , وربما القتل بدم بارد  . قالت بكل وقاحة : مالي أراك سارحا , قلت لها :  قولي للرفاق ألا  يمسكوا بالبنادق فوق راسي وأمام عيني فلست قادرا على التعبير تحت الحراب ,  فانا هنا لست مقاتلا , أنا مجرد ضابط  طموح ادرس بالجامعة , فتنحنح الرفاق باعتبار أنني غير صادق في رأيهم , وقالت الفتاة لرفاقها : لو سمحتم أيها الرفاق أناشدكم بشرف الثورة أن  تتركوا  الرجل يتحدث واسمعوا  ما يقول بدون سلاح ولا تهديد , وفي لحظة واحدة اختفى السلاح وتحلق الرفاق حولي يستمعون : فقلت أريد أن اشكر الله سبحانه ثم اشكر الرفيقة ومن ثم الرفاق : قالت نعم يسلم ثمك, دعنا نسمع كلاما كالذي قلته عند أرضية المصعد

قلت  أنا بدوي ولا اعرف إلا الشعر البدوي ( وفي الحقيقة أنني أجيد نظم الفصيح والبدوي )  , قلت ذلك لأنهم شتموا البدو أمامي ووصفونا بالمرتزقة , وكأني أقول لها وأقول لهم  أن البدو هم أهل الإبداع , وأريدها أن تمتدح البدو بعد أن أغرقت ورفاقها في شتمهم أمامي , وهنا  وجهت كلامي إليها بشعر بدوي  :

 الله خلق بالكون شمس مع قمر = وأنت اعتديت والعدا سبب خطر

لا تبيني وسط النهار تلفعي   ما تحتمل  شمسين أجسام البشر .

 وهنا صاحت وقفزت بالهواء, يحيا الشعر البدوي ,  وصاح الرفاق : الله الله الله , ما هذا يا رفيقة أنت شمس الأرض وقمر السماء . حينها شعرت أنني وسط قطيع من الزعران والسر سرية ذكرهم وأنثاهم , وان الثورة بالنسبة لهم هي الحقد علينا فقط وليس لتحرير فلسطين . يا الهي كم احتقرتهم وكم شعرت بمهانة الإنسانية بين يدي .  قالت إذن لابد وان تتغدى معنا . قلت قد اشتريت غدائي , وأريد أن آكل في غرفتي . ولكنها أصرت وأقسمت بشرف الثورة والبندقية وإسقاط النظام بالأردن ,  أن آكل معهم . قلت إن هذا في عرفنا يعني العيش والملح والأمان . قالت أنت في أمان أكلت أم لم تأكل . قال الرفاق : معلوم شمس وقمر يا حلاوتك ياولد .

     وبالفعل جيء بالطعام وتبادلنا النكات , بل وقصفت الرفيقة بعدد من أبيات الشعر البدوي منها والفصيح , إلى أن قالت : لماذا يعلموننا فكرة سيئة عن بدو الأردن ونكرههم ونحقد عليهم  طالما أن لديهم كلاما جميلا مثل هذا الكلام والشعر ؟ إن ما اسمعه الآن يغاير ما تلقيناه  وتعلمناه من قبل. وبعد انتهاء الطعام والشعر وقفت الرفيقة البتول وأعلنت ( هي )  أمام قطيع الرفاق  أنني في حماية الرفاق وأنها  كمسئؤلة عن مراقبة طلاب الجامعة ستخبر عناصر الرصد الثوري ألا يؤذون صديق الثورة هذا الضابط المحترم ( أي حضرتي ) الذي لا يعمل جاسوسا عليهم . وقالت إنها مستعدة لإرسال حارسين من الرصد الثوري  لحراستي من الخطف في بيروت عندما اشعر بالخطر .

      وهنا وقفت وقلت : شكرا للرفيقة المبجلة الفاضلة , وصفتها بالفاضلة , شكرا لكم على الضيافة والاهتمام وان الحوار بيننا هو الأفضل وليس العنف والبندقية , ثم كررت قائلا ومختتما : واشكر الرفيقة قمر بيروت والثورة  وشمسها : وهنا صاح القطيع : يا حلاوتك ياولد شمس بيروت والثورة وقمرها , ونسأل الله سبحانه أن يحقق أهدافنا . فقالوا آمين.  أما هدفهم فكان ماهو معروف , وأما هدفي فكان ماهو معروف , وتم الحسم فيما بعد بسواعد أبناء العشائر الأردنية , وبأوامر من الرفيقة البتول رافقني رجلان إلى غرفتي . وانتهيت من هذه العلقة بفضل من الله سبحانه , وكلما رأيت الرفيقة عند المصعد ومعها حراسها دعوني إلى غرفتهم فأقول سآتي بعد الامتحان . وعندما انتهيت من الامتحان غادرت بيروت في ذات اليوم وحمدت الله سبحانه  على السلامة , وأنني لن أرى الرفيقة ولا الرفاق في بيروت , وأما في عمان فالأمر مختلف وكان لنا معهم شان آخر.

        والحادثة الثانية هي أنني  ذهبت ذات يوم لتقديم الامتحان قبل الظهر وعندما خرجت  من الامتحان ظهرا فرحا بسبب الإجابات الصحيحة  , توجهت إلي مقصف الجامعة لتناول الغداء والفطور معا  حيث لم أتناول فطوري اليوم لانشغالي بالدراسة . وهنا سمعت صوت رئيس اتحاد الطلبة الأردنيين بالجامعة  يزار كالأسد ويزمجر كالسيل الهادر  وهو يقول : يا جاسوس يا خائن يا بواق يا للي تكتب بالطلاب للمخابرات , والله غير أذبحك اليوم . وصلت إليه  وقد أحاط به أكثر من أربعة طلاب يمنعونه من افتراس الجاسوس , وإذا به يوجه الكلام إلى شاب اسمر السحنة  تجمد الدم في عروقه خوفا  ورعبا من الأسد الهصور , ورأيت  الطالبين كليهما وهما ملتحقان بالجامعة  , وسالت الطالب الذي يتهمه رئيس  الاتحاد انه جاسوس على الطلاب , من أين هو ؟ , فقال لي : انه من قبيلة كذا وهي أردنية  . وهنا شعرت أن من واجبي التدخل وكلانا من ثلاث قبائل أردنية  متجاورة , ونحن الآن طلاب في ديار غريبة  , فرئيس الاتحاد صديق شخصي لي وممنوع من دخول الأردن لأنه يمارس السياسة في بيروت وهو محرم رسميا على أي ردني أن يمارسها  ,وهو ينتمي لعشيرة عريقة وعميقة في تراب الأردن وتاريخها واسمها معروف في العالم العربي كله , فأمسكت به وقلت لبقية الطلاب اتركوا الشيخ علي  أنا , فنحن نعرف طراد بعضنا ( وهي كلمة أردنية تعني أننا نعرف كيف نتصرف تجاه بعضنا بعضا ) . ما دهاك يا شيخ فلان / وهو في الحقيقة شيخ كابرا عن كابر  . فقال وهو يوجه أصابع الاتهام إلى ذلك القابع  المرعوب : هذا الجاسوس العميل  الخائن الخسيس  البواق خائن العيش والملح , ( مستخدما سائر قائمة الشتائم بلهجتنا الأردنية )  يكتب بالطلاب ويهددهم بالمخابرات وكلما سافر طالب  من أبناء العشائر تم القبض عليه وتم منعه من العودة لمواصلة الدراسة . أريد أن اخلص أبناء العشائر منه . قلت هو الآن في وجهي يا شيخ / فلان , فقال الطالب الشيخ : هو بوجهك مني ومن الطلاب , ولكن هل تضمنه أن  نكون بوجهك من خساسته وتجسسه ونجاسته  .. و.. و.. قلت : موجها كلامي إلى الجاسوس , هل أضمنك يا فلان ؟ فقال تضمنني . فقلت إذن تبا وسوا اللحى وكلاكما في وجهي . فانا اعرف الأردنيين جيدا لأنني  واحد منهم , واعرف أن لحظة هيجان وغضب قد تتبعها لحظة عناق وصالحة إذا أحسن الوسيط أداء الواجب , وإذا أحس الطرفان أن المعركة انتهت : لا غالب ولا مغلوب .

      والمحطة الثالثة أثناء دراستي في بيروت بالانتساب التي أثرت كثيرا بمسلكي السياسي والبرلماني ,  هي حرق العلم الأردني وسفارتنا هناك أمامي أثناء أوقات تأدية الامتحان صيفا  . لقد أثرت هذه المحطة كثيرا على أدائي البرلماني  ومواقفي السياسية فيما بعد . لان مثل هذه الأشياء بقيت ولا زالت مخزونة في  ذاكرتي  . وأما تفاصيل القصة فهي على النحو التالي : كنت ذات عصر احمل كتابي وأقرا في خلاء من أحياء بيروت لم يزحف إليه البنيان آنذاك بعد , وإذا بمظاهرة حاشدة تقودها فتاة نحيفة ترتدي لباس الثورة , ويحملها شخص بدين على كتفيه ,  وهي تهتف بسقوط الأردن والشعب الأردني والملك والبدو والأردنيين . وهنا توقفت عن القراءة وبدأت ارقب ماذا سيحدث , وسأروي ما حدث باختصار لأنه لم يذهب من ذاكرتي إطلاقا .فقد طوق المتظاهرون سفارتنا في بيروت خارج أوقات الدوام الرسمي ثم دخل من دخل إلى مبنى السفارة وتسلق أسوارها من تسلق فوق أكتاف بعضهم بعض تتقدمهم الفتاة إياها  .

       ثم صعدت الفتاة القائدة من خلال بيت الدرج  إلى السطح حيث سارية العلم  الشامخ , وكنت قريبا  من المكان وقامت ومن معها بقطع  حبل العلم الأردني العزيز إلى قلبي  المشدود إلى السارية , وانزلوا العلم وتلقفته الفتاة وبصقت عليه ثم داسته بقدميها وأمرت بقية الشباب الذين صعدوا معها أن يبصقوا عليه  وان يدوسوه في حفلة بصاق ودوس بالأقدام , ثم أشعلوا فيه النار  ثم نزلوا وأشعلوا النار في السفارة  معلنين تحريرها من الأردنيين والبدو والنظام ....... . لا ادري كيف لم أمت من القهر في تلك اللحظة  وأنا الشاب اليافع المحب لبلده الأردن وبكيت وأنا أرى علم بلادي يداس ويحترق ويهان وليس في يدي حيلة . ولو عرف المتظاهرين أن ضابطا بالأمن العام الأردني كان قريبا منهم لقطعوني اربأ اربأ  , وربما احرقوا جثتي في احتفال المظاهرة  وسط صيحات النشر , كما احرقوا العلم , ولاعلنوا انهم احرقوا ضابطا كبيرا في الأمن العام الأردني جاء للتجسس وأنا لازلت برتبة ملازم أول ولم أتجاوز الثالثة والعشرين من عمري  , وبعد إحراق السفارة  وتحويلها إلى قاع صفصف خاوية على عروشها , توجه المتظاهرون قافلين من حيث أتوا إلى حيث انطلقوا حيث كانت  إحدى  مراكز قيادة الثورة , وهم يحملون الفتاة الثورية العظيمة , ربما لأداء مهمات آخر ضد الأردن ولو من موقع الوزارة الأردنية بعد حقب من الزمن .

     ومرت الأيام والسنون , وبعد حوالي ثلاثة عقود  وإذا بالفتاة أو شبيهتها ( والله يخلق من الشبه أربعين ) وزيرة مهمة جدا  في الحكومة الأردنية وأنا نائب بالبرلمان متزامنين معا , وقمت بالواجب الوطني في كشف الفساد الخاص بها , وقد ادعى بعض الناعقين أنني كنت عدوا للوحدة الوطنية ولم يعرفوا أنني كنت أدافع بالدرجة الأولى وبأثر رجعي  عن علم بلادي الذي أحرقته  وأهانته  هي  ورفاقها قبل ثلاثين سنة ونيف . ولا شك أن  هذا الحادث كان له تأثير في مواقفي البرلمانية , والثأر للوطن ولو بأثر رجعي . فالثأر الوطني عند الأردنيين لا يغشاه التقادم الزمني  إطلاقا .

   ونرى أن نضرب مثلا  على ذلك من جملة الأمثلة التي مرت بي , حيث الوقوف في محطة أخرى ولكنها   في الداخل / أي بالأردن , وهي علاقتي بالمغفور له الرمز الوطني الشهيد وصفي التل رحمه الله واسكنه فسيح جناته , آمين يا رب العالمين,   وكيف أثرت  هذه العلاقة على منهجي الوطني والبرلماني  والفكري . كان الضباط الصغار وأنا منهم  آنذاك يحبون وصفي التل إلى درجة لا يتصورها العقل , فهو رجل وطني صادق ونزيه وشجاع ولا يحابي على حساب الوطن . ورغم انه كان في بيته إلا انه كان أقوى رجل في الأردن في حينه وبدون استثناء , فقد كان الجيش يحبه وكذلك الأمن والمخابرات فضلا عن الشعب الأردني , وصار الملاذ الأمن والمرجعية الوطنية والسياسية في ظل غياب سائر المرجعيات . فكرت كيف يمكن لي أن اصل إليه وهو في بيته بينما كانت الأردن تعوم في بحر لجي ملفع بالظلمات من الاضطرابات وانعدام الأمن  والطمأنينة والممارسات النشاز والإرهابية ضد الأردنيين وبخاصة العسكريين منهم , وكلنا نبحث عن الأمل والقائد الذي يأخذ بأيدينا إلى شاطيء السلامة فوجدناه في شخص المغفور له وصفي التل , فكتبت قصيدة طويلة مدحته فيها ومنها قولي :

من حق وصفي على الأردن يذكره  == دوما بأعلى سماء المجد ميزان

 فكرت طويلا بالطريقة التي يمكنني بها الوصول إلى  الشهيد وصفي التل والتواصل معه رغم فارق السن والموقع  والمكانة , وفهمت بطريقتي الاستقصائية انه يسكن  في بيته في الكمالية  مابين صويلح والسلط ,وانه يستقبل الناس يوم الجمعة ضمن سياسة الباب المفتوح , وانه بدون مكتب ولا بهرجة ولا حرس , وان له سائق فقط  من عشيرة السرحان , وبالفعل ذهبت يوم جمعة إلى بيته صباحا ,  فوجدت الجلسة مليئة بالمدنيين وكبار الضابط  بلباسهم العسكري , وكنت ارتدي لباسي العسكري أيضا  وأنا برتبة ملازم ثاني اقلهم  رتبة وربما أكثرهم طموحا . جلسنا بانتظاره رحمه الله وما هي إلا عشر دقائق أو حولها حتى  دخل علينا بقامته الطويلة  وسحنته الأردنية الأزدية الغسانية , وكان لا يعرف من جاء مع من . وبقيت صامتا إلى أن أنهى  الفوج  حديثهم معه وغادروا ولم أغادر  معهم لأنني لست معهم ,  وجاء فوج آخر وانهوا ثرثرتهم وغادروا ولم أغادر معهم , وجاء فوج ثالث وغادروا وبقيت في رسالة مني أنني جئت امة وحدي لا علاقة لي بهؤلاء وأنني لست تابعا لأحد منهم, وانه لم يأتي معي احد , وهي الرسالة التي فهمها بوضوح.  فقال وهو يوجه الكلام إلي : أهلا وسهلا : ففهمت انه يريدوني أن أتحدث , فقلت له حديثي خاص معكم يا باشا , هل ذلك ممكن ؟ .

       فقام واخذ بيدي إلى غرفة صغيرة وهو يقول  بتواضع : نعم بكل سرور وحبا وكرامة : فقلت له في الغرفة , أنا الملازم احمد عويدي العبادي جئت اعبر عن حبي لك واهنؤك بحب الأردنيين والجيش والأمن والمخابرات لكم , فابتسم رحمه الله وقال شكرا يا ابني بارك الله بك وبهم , الأردن بلدنا والأردنيون أهلنا ونحن نكرس حياتنا من اجلهم . قلت له :  لقد قرأت شخصيا  كتب المقاومة الروسية للاحتلال النازي , والمسماة حرب الأنصار , وقرأت كتب  ثورة  كاسترو وغيفارا ضد الطاغية باتيسا وكيف حرروا بلادهم  كوبا منه , وقرأت كتب المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي , وقرأت كتاب رومل ثعلب الصحراء  ومذكرات تشرشل رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية , وكتاب كفاحي لهتلر , ومذكرات ديغول وكتاب البؤساء لارنست همنغواي , وحرب العصابات الفيتنامية التي قادها هوشي منه والجنرال جياب ضد الاحتلال الفرنسي . وقف الرجل متعجبا من كلامي وهو لا يدري ما علاقة هذه العناوين والقراءة بلقائي معه ,  فقال :  رائع يا عبادي ( وكان حفظ اسم العبادي على سائر الأسماء على الطريقة الأردنية بحفظ أسماء العشائر قبل أسماء الأشخاص )  أن نجد شابا بسنك من أبنائنا  يهتم بهذه المواضيع ويقرأ مثل هذه الكتب , ثم صمت وكأنه يقول ما علاقة هذا الكلام بالحديث إليه ؟  .

       قرأت سحنته وما في ذهنه واستخرجت ورقة مكتوبة  بخط يدي , وقلت وخرجت منها يا باشا  بدراسة مدونة على هذه الورقات لعلكم تستفيدون منها عند وضع الخطط للدفاع  عن الأردن وإخراج المسلحين من عمان . وهنا اهتم بالموضوع وقد سمع المقدمة ومد يده مهتما لما فيها , وقال : وما بها ؟ قلت : وضعت مخططا  لنشر المخافر المسلحة  بعمان لضبط الأمن وطمأنة الناس وحمايتهم من أيدي العبث , وقطع دابر التخريب . قال : بكل سرور , نحن بحاجة إلى الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى لنحل مشكلتنا . قلت هي في هذه الصفحات القليلة , وهنا تصفحه محتوياتها بسرعة ثم أخذها ووضعها في جيبه . ثم قال رحمه الله : يا احمد يا عبادي إن من يقرا هذه الكتب في هذه السن يجب أن نقرا رأيه ونسمع صوته ونشجعه على المزيد . قلت إن سمح لي دولة الباشا أن أكون على صلة به لأنني لا أجد مسئؤلا  سواك أثق به  وأسديه النصيحة رغم صغر سني  ,  فقال البيت بيتك في أي وقت وأفضلها وانسبها عندي  أيام الجمعة وتعال بدون موعد مسبق قبل صلاة الجمعة . وكذلك كان . واستمريت على صلة قوية مع المغفور له وصفي التل حتى صار بعدها رئيسا للوزراء ثم  انتقل إلى الرفيق الأعلى  شهيدا أي لأكثر من سنتين , وقد اثر تعاملي معه على شخصيتي وفكري الوطني وعلى مواقفي البرلمانية , لأنني من مدرسته بامتياز . وبالفعل تم تطبيق خطتي لإنشاء المخافر بدقة متناهية وكانت وسيلة ناجعة ناجحة لسيطرة الدولة وحماية الناس ووقف التخريب . وصارت الدولة مهابة الجانب وأجرى الملك مصالحة مع أبناء العشائر وأعاد إلى الخدمة أبناءهم من الضباط الذين كانوا مرمجين بسبب نشاطهم السياسي منذ الخمسينات إلى نهاية الستينات , واستطاع هؤلاء الإمساك بالوطن وحمايته .

   وأثناء كان المغفور له الشهيد وصفي التل  رئيسا للوزراء صرت مسئؤل مفرزة حي المصاروة في جبل عمان  ومركزنا قرب الدوار الثاني في أثناء موجات العنف وانعدام الأمن , واحتدام الصراع , وقد أصبحت مسئؤل مركز من المراكز التي اقترحت إنشاءها . وكنا نتعرض إلى الهجوم والقصف ليلا بشدة ونهارا بشكل متقطع , ولا شك أن ذلك زاد في يقيني أن الإنسان لا يمكن أن يموت إذا لم يحن اجله وكنت احزن للزملاء الذين كانوا يسقطون صرعى أمامنا دفاعا عن الأردن وحرائره وأهله وأمنه  . وعلى اثر إحدى المعارك المتبادلة , حضر الباهي  الأدغم مندوب رؤساء الدول العربية لمراقبة وقف إطلاق النار بالأردن  , وكنا لا نرتدي الرتب وكنت برتبة ملازم أول , ونلبس الفوتيك جميعا خاليا من الرتب . ولما وصل المفرزة سال : أين الضابط المسئؤل , فأشاروا إلي  فجاء وطرح السلام فرديت عليه بالسلام , ثم مد يده إلي للمصافحة , فرفضت مصافحته وقلت له إني لا أصافح شخصا تضمخت يداه بدماء الأردنيين , فقال كيف يكون هذا ؟ قلت أنت منحاز ضد الأردن والأردنيين مثلما هو النميري  والقذافي والكثير من رؤساء العرب . كان يرافقه عقيد من الجيش الليبي فقال العقيد الليبي إن ليبيا لا علاقة لها بالسوء , فقلت أقول ألقذافي والنميري ولا أقول ليبيا والسودان .

      كان الباهي الأدغم  طويل القامة ضخم الجثة اسمر السحنة فازداد لون وجهه سوادا  بعدما سمع ما سمعه من شاب في مطلع العشرينات من عمره  وهو حضرتنا , وقال سأشكيك إلى رئيس الوزراء الأردنية, وكان آنذاك المرحوم وصفي التل , فقلت له : وصفي على راسي وعيني ولكن لماذا لا تشكوني إلى جامعة الدول العربية وهي جامعة الهمل العربية  التي تفرق الناس والأمة وهي التي أنشأها الإنجليز بديلا عن وحدة العرب  . لماذا تأتي لبلادنا مادمت  تقف سلفا ضدنا ؟
.     وهنا وجد الباهي الأدغم انه في ورطة لم تكن في حساباته ,  وغادر المكان , وما هي إلا ساعة أو يزيد وإذا بالية مصفحة تحضر إلى عندي وتأخذني إلى مدير الأمن العام , وأخذوني مباشرة إلى مكتب الباشا . فقال لي  مدير الأمن العام : مالذي فعلته يا ملازم احمد ؟ قلت رفضت مصافحة هذا الباهي  الأدغم . فقال قل لي انك لم تفعلها . قلت لا بل فعلتها , إن الذي لا يخاف الرصاص وهو تحت نيرانه ليل نهار لا يخاف من الباهي ولا من هم وراء الباهي . ابتسم وكاد ينفجر ضحكا لكنه ضبط نفسه وشعرت انه سعيد بهذا الكلام جدا , قال من تقصد ؟ قلت : الجامعة العربية المتآمرة على الأردن . كان مدير الأمن العام يشعر بالنشوة وهو يسمع هذا الكلام ويبتسم .قال اذهب إلى الرائد فلان وهو ضابط امن المديرية يأخذ منك كلمتين ونغلق الطابق ولكن قل انك لم تقلها , لان دولة الرئيس وصفي باشا كلمنا بالأمر . ذهبت إلى مكتب الرائد وكرر نصيحة الباشا مدير الأمن العام أن أعلن إنكاري , فرفضت وإذا به ينفجر ضحكا و ويقول الحمد لله الذي يوجد فيه مثلك في جهازنا وبلدنا , نريد ضباطنا أن يكونوا مثلك , سوف ننتصر . وأضاف قائلا: سوف اكتب انك لم تقلها وتوقع. قلت  لا لن أوقع على الكذب ولكن اكتب ما شئت ووقع أنت .  وبالفعل كتب ما ملخصه  ما يلي وهو يبتسم : لدى استدعاء الملازم الأول احمد صالح عويدي العبادي والتحقيق معه تبين عدم صحة ادعاء الباهي الأدغم , وان الملازم احمد ليس المقصود بالشكوى وسنبحث عن الضابط المعني وعند التعرف عليه سنحاسبه . وهنا ضحكت وضحك ,  ثم وقع على الكلام وقال شكرا لك يا احمد والآن تعيدك المصفحة إلى مركز عملك . أديت التحية العسكرية , وشعرت بالكبرياء أن أجد قادة يحمون ضباطهم , ويفرحون للمواقف الرجولية. وعندما زرت  وصفي باشا في الجمعة التي تليها  في بيته كالمعتاد : قال لي : ويش اللي مساويه بالباهي الأدغم يا عبادي ؟ . قلت زدت في سخامه ولطامة جهنم تأخذه يا باشا . فضحك حتى كاد أن يقع على ظهره . ترى هل يوجد الآن رجال مثل هؤلاء الرجال  ؟ . عندما كان هؤلاء في  مواقع القرار في الأردن استطعنا أن  نتغلب على جميع المؤامرات .

دخلت أحمل التوجيهي الأردني الأدبي (1965) وخرجت (1987) , وأثناء خدمتي بالأمن العام التي قاربت اثنين وعشرين عاماً خرجت  أحمل الدكتوراه  من كمبريدج ( حصلت عليها نهاية 1982) ... وأثناء الخدمة هذه قدمت الكثير من الخدمات للناس بشكل عام،ولقاعدتي العشائرية  بشكل خاص، فقد جنّدت المئات والمئات منهم ضباطاً وضباط صف وأفراداً وهؤلاء حفظوا الجميل في ذلك الزمن , حيث لم يأتي الفساد والأنانية على نفوس الناس بهذا المستوى الحالي  بعد , وكان لازال في الناس نقاء , وقرروا ردّ  الجميل  لي , ومؤازرتي في حملتي الانتخابية عام  1989 . وكان لبعثتي للدكتوراه قصة

فقد دخلت الأمن العام وأنا احمل التوجيهي بعد سنة قضيتها في البيت بانتظار فرصة العمل , عملت فيها بحمل الباطون في ورشات البناء في الطريق المحاذية لطريق وادي السير , وكلما مررت من تلك العمارات حدثتني نفسي أنني ساهمت في بناء هذه  العمارة  وتلك التي لا أستطيع دخولها الآن ومن قبل . وقد كان همي الأول هو إكمال دراستي إلى درجة الدكتوراه , وكم لقيت من الزملاء   الضحك علي والاستهزاء  بطموحي  , ذلك أنني ضابط بالأمن العام وبالتالي فان الدراسة بحاجة إلى موافقة سلفا . وانتسبت إلى الجامعة رغم انف التعليمات الواضحة الصريحة ضد  التعليم في حينه . وذات مرة,  ومن نمط الاستهزاء والإحباط  الذي كان يحيطني من قطعان التنابلة أن الضابط  الذي كان مسئؤلا عني سألني  كم بقي لك أن تنهي دراستك , فقلت سنتان بعد الانتهاء من ألسنة الجارية وكان ذلك قبل الامتحانات بثلاثة اشهر وكنت في السنة الثانية  . فضحك بسخرية وقال : أنت مثل العجوز الذي لا أسنان له وأعطي أربع حبات جوز غير مقشر فوضع واحدة في فمه , فلما سأله : كم بقي حبة لم تأكلها . فقال ثلاث حبات وأما الرابعة فهي في فمي وليس له أسنان . فقلت له أن لي أسنان  وقلب واعي , والعلم هو جوز قاسي لغيري وليس لي . 

   حصلت على البكالوريوس من بيروت العربية  بتفوق ومن ثم درست الماجستير في القاهرة بالانتساب أيضا وحصلت عليها بامتياز  عام 1978 , ومن ثم صممت على إكمال الدكتوراه في بريطانيا . ولحسن الحظ أنني تلقيت رسالة من المستشرق البروفسور سارجنت في  عام 1978  وهو اسكتلندي ويعمل أستاذا في كمبريدج البريطانية , وهو مختص باليمن , وكان يتكلم عدة لغات منها العربية وهو مترجم كتاب الجاحظ  : البخلاء من العربية إلى الإنجليزية . وكان في رحلته من اليمن إلى لندن , إلا انه حط رحاله ليلة في عمان, وقرا على متن الطائرة مقابلة معي في جريدة الجوردن  تايمز تحدثت فيها عن كتبي الجديدة والعادات . وبعد حوالي أسبوعين من النشر تلقيت مكالمة من المعهد البريطاني بعمان يطلبونني نسخا عن كتبي التي تحدثت عنها في المقابلة  لإرسالها إلى البروفسور , وكانت : من القيم والآداب البدوية , وكتاب : المرأة البدوية  , فأعطيتهم نسختي مجانا عن كل كتاب منها وأخذت  رقم هاتف البروفسور وعنوانه  . وحصلت عليها .

 بعد ذلك كتبت إلى شقيقي د عبدالله عويدي العبادي الذي كان يدرس التخصص  الباطني في الطب في جامعة مانشستر أن يتصل بهذا المستشرق لعله يساعدنا على قبول بجامعة كمبريدج . فاتصل به شقيقي عبدالله من داخل بريطانيا ورحب البروفسور بذلك ولكنه رغب في دعوتي إلى إلقاء ورقة حلقة بحث في مؤتمر خاص بالدراسات العربية , وينعقد في تلك السنة في جامعة لندن : كلية الدراسات العربية والأفريقية . وقد أرسلت ورقة إلى أخي عبدالله وهي عن الأمن والحماية عند البدو الذي أرسلها بدوره إلى البروفسور سارجنت   منسق الدراسات الشرقية , وقد كان إعجاب البروفسور بها عاليا فوجه إلي دعوة للمشاركة , وكان المغفور له اللواء الركن غازي عربيات هو مدير الأمن العام وكان منفتحا وبعيد النظر وكنت من المقربين له واعمل مدير مكتب العلاقات العامة في المديرية . فوافق لي على المشاركة , أما  تغطية التذكرة والرحلة فكان على حسابي الخاص  . وهناك التقيت شقيقي د عبدالله الذي  جاء خصيصا من مانشستر لاستقبالي والمشاركة  معي في المؤتمر . وهناك تعرفت على العلماء من كل حدب وصوب من العالم واستمعت إلى دراسات رائعة في شتى العلوم والحقول . وبعد الانتهاء من المؤتمر ذهبت مع شقيقي د. عبدالله إلى مانشستر  وكان يدرس التخصص في الباطنية , وقضيت معه عدة أيام هناك تعرفت فيها على عدد  من الطلاب الأردنيين من أبناء العشائر الذين كانوا يدرسون هناك تخصصات علمية مختلفة ومتميزة وكانوا من المتفوقين بالجامعات , وكانوا يشكون لي انهم لا يستطيعون العودة إلى الأردن قبل إنهاء الدراسة خشية حجز جوازاتهم ومنعهم من السفر , وزادوا في شكواهم انهم لم يروا أمهاتهم وآبائهم وأسرهم منذ سنوات , وتحدث آخرون منهم والعبرة تخنقهم والدموع تنحدر على وجناتهم أن أمهاتهم أو آباءهم ماتوا ولم يستطيعوا العودة للوداع أو التعزية خشية القبض  عليهم أو منعهم من العودة للدراسة , كانت مأساة وكارثة بكل ما تعنيه الكلمة , فنحن محاربون في بلادنا على أيدي حفنة حاقدة من المرتزقة لا يسرها أن ترى أبناء العشائر  الأردنية  يتعلمون  , فقلت لهم لا تعودوا إلا بعد الانتهاء ولا داعي للمجازفة فسياسة الدولة بالأردن  هي محاربة أبناء العشائر ولا يريدون لنا أن نتعلم أبدا , ولكن لابد ويأتي يوم ولو بعد حين يغير الحال إلى ماهو أفضل إن شاء الله تعالى .

         طلب إلي البروفسور سارجنت أن أتقدم بطلب إلى الجامعة وان يكون مرفق بالطلب دورة بالإنجليزية لتسهيل العملية . فكلفت شقيقي د عبدالله  عويدي العبادي أن يحصل لي على  قبول في مدرسة لتعليم اللغة  في بريطانيا اختصارا للوقت , وأعود بعد ذلك  لدراسة اللغة , لان وجودي هنا هو لعشر

شريط الأخبار إسرائيل تقصف 100 موقع بلبنان في ثاني موجة ضربات خلال ساعات تفاصيل جديدة حول جريمة قتل شاب والدته وشقيقته في الأردن جمعية البنوك توضح حول انعكاس تخفيض أسعار الفائدة على قروض الأردنيين منتدى الاستراتيجيات يدعو لإعادة النظر في الضريبة الخاصة على المركبات الكهربائية الأردن: إرسال من 120 إلى 140 شاحنة مساعدات أسبوعيا لغزة وسعي لرفع العدد هيئة الطيران المدني: لا تغيير على حركة الطيران بين عمّان وبيروت وزير الشباب الشديفات يلتقي الوزير الأسبق النابلسي البقاعي رئيسا لمجلس إدارة شركة مصفاة البترول الأردنية وزارة "الاقتصاد الرقمي" حائرة بين 079 و077: من الهناندة إلى السميرات! مقال محير يعيد ظهور الباشا حسين الحواتمة الى المشهد.. ما القصة البنك المركزي الأردني يقرر تخفيض أسعار الفائدة 50 نقطة أساس وصول طواقم المستشفى الميداني الأردني نابلس/4 استقاله علاء البطاينة من مجلس أدارة البنك العربي طقس بارد نسبياً ليلاً وفي الصباح الباكر مع ظهور السحب المنخفضة في عطلة نهاية الأسبوع التعليم العالي: نتائج القبول الموحد نهاية الشهر الحالي الحكومة تطفي ديونا بقيمة 2.425 مليار دينار منذ بداية العام الملخص اليومي لحجم تداول الاسهم في بورصة عمان لجلسة اليوم الخميس ما قصة حركات بيع وشراء اسهم الاردنية لانتاج الادوية بين اعضاء مجلس الادارة ؟! الوزير خالد البكار.. "تقدم" نحو لقب "معالي" هل باع محمد المومني ميثاق من أجل لقب "معالي"؟!