قرار عمان بوضع معايير لاستقبال السوريين ليس جديدا بشكل تام، إذ أن سياسات استقبال السوريين خضعت لتغيرات جزئية دون إعلان.
في القرار أن المطار لن يستقبل من السوريين إلا من كان يحمل إقامة في الخليج أو الولايات المتحدة و أوروبا، أو من كان قادما للسفر باعتباره راكب ترانزيت، ومعنى الكلام أن الأردن لن يقبل إلا من كان مستقرا في بلد آخر، عبر جنسية أجنبية أو إقامة على خلفية عمل واستقرار، بحيث لا يكون الأردن محطة للجوء في هذه الحالة.
قبل تسرب هذه التعليمات عانت الجهات الرسمية من أمرين، أولهما قدوم لاجئين سوريين يستقرون رسميا كلاجئين مسجَّلين في لبنان أو تركيا أو مصر إلى الأردن.
هنا كان السؤال يتعلق بسبب تغيير الشقيق السوري لمكان اللجوء، إذ أنه قد يكون مسجلا كلاجئ في تركيا، فلماذا يأت إلى الأردن أساسا، ويتحول إلى لاجئ جديد، وأغلب الذين كانوا مسجلين كلاجئين في دول الجوار وقدموا إلى الأردن تمت إعادتهم خلال العام الأخير، لأن الأردن لا يريد هنا، التخفيف من مشكلة اللجوء في تركيا أو لبنان، ونقلها الى الاردن نيابة عن هذه الدول؟!.
بطبيعة الحال كان أغلب هؤلاء يأتون الى الأردن لأحد سببين، اولهما الالتحاق بعائلاتهم الموجودة في الاردن، بعد أن تسببت الأزمة السورية بشق العائلات وتشتيتها، الى كل دول الجوار، او لأن البيئة الاجتماعية والاقتصادية في الاردن افضل من البيئة في مصر أو لبنان أو تركيا، والأمر متروك للقياس وفقا لكل حالة هنا. هناك تغير واضح في سياسات الأردن تجاه ملف اللجوء، وكثيرون طالبوا بإغلاق الحدود البرية أيضا في وجه موجات اللجوء.
مسؤولون كبار قدَّموا نصائح لجهات رسمية بإغلاق الحدود كليا وإعلان ذلك، لأن الأردن لم يعد يحتمل نتائج الهجرات، اقتصاديا واجتماعيا، وليس لأنه يمقت الشقيق السوري.
المجتمع الدولي قدم إغراءات للشقيق السوري حتى يخرج في إطار توظيف اللجوء والهجرة ضد دمشق ، وتعهد بإغاثة اللاجئين، إلا أنه تركهم فرادى، وترك الدول المغيثة لتتسول المساعدات، وكانت كل القصة عبارة عن اغاثة جوع وبرد، فيما الدول المجاورة بحاجة لمساعدات كلية اقتصادية على مستوى الخزينة.
في الاردن مليون وربع مليون شقيق سوري، وقرار اغلاق الحدود كليا، ومنع أي هجرة عبر الحدود البرية، قرار صعب للغاية، لأن الأردن يريد اتخاذه، لكنه ايضا يعرف ان القرار مكلف دوليا، أمام منظمات حقوق الانسان والعالم، لذلك كان البديل اللجوء الى تقنين الهجرة، عبر وضع معايير وشروط، فلا الأردن يمنعها كليا، ولا يسمح بها كليا، كحالة المطارات.
في المقابل سكت العالم، على العراق، الذي أغلق بواباته بعنف في وجوه الاشقاء السوريين، الذين كانوا للمفارقة قد استقبلوا في سني العز اكثر من مليوني عراقي، بلا شرط ولا سؤال، وتم تناسي كل هذا لاحقا، أمام تحالف بغداد ودمشق في معسكر واحد يريد معاقبة اللاجئ السوري، وجعله يدفع الثمن.
ملايين الأشقاء السوريين تركوا بيوتهم، والبيئة السورية لم تعد قابلة للحياة، حتى لو توقفت الفوضى الحالية، فمن هو الذي سيغامر بالعودة الى مكانه، في بيئة ثأرية دموية، وكل مكوناتها تريد الثأر من بعضها البعض، ومن هو الذي سيغامر بالعودة الى بيئة لم تعد صالحة للحياة اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا ومؤهلة للتقسيم والفيدرلية.
الكلام عن إعادة الإعمار وهم كبير، فالعراق الثري جدا، لم ُيعد إعمار داخله، على الرغم من كل نفطه، وتعهدات العالم.
كل هذا يقول إن قرار وضع معايير لدخول الأشقاء السوريين عبر المطار، يعني أن الأردن لن يستقبل أي لاجئ جوي، وسيقبل من كان له مكان آخر فقط، و هذا قد يكون توطئة لقرار آخر بخصوص الحدود البرية، التي باتت تخضع أيضا لمعايير معيَّنة غير معلنة، تقبل المرضى والجرحى والنساء والاطفال وتتجنب الشباب من اعمار معينة.
السيناريو الذي يتحسب له الاردن، منذ الآن، يتعلق باحتمال حدوث انفجار امني وعسكري كبير جدا فوق الذي رأيناه جنوب سورية، ما قد يؤدي الى هجرات بمئات الآلاف.
أي قرار مقبل بإغلاق الحدود كليا، سيكون استباقيا لهذا السيناريو.