كانت المحنة التي تعرض لها السفير الأردني في ليبيا، مصدراً لقلق الشعب الأردني كله، حيث أن السفير يحمل رمزية الدولة ومكانتها، ولذلك فإن حدث الإفراج شكل حالة من الفرح والحبور الوطني، دون خوض في حيثيات الصفقة ونوعية الجهود التي بذلت على مدار عدة اسابيع، لأن الثمن الذي تم دفعه لا يقاس بحياة شخص أو مواطن، بقدر ما يقاس بكرامة الأردن دولة وشعباً ورمزية.
هذا المعنى العميق كان يتجلى بوضوح في حديث العيطان وحواره مع أفواج المهنئين الذين أمّوا مراح عشائر الحراحشة في «رحاب» التي تتربع في رقعة واسعة من السهول الممتدة شرقاً، المليئة بموارس القمح ومزارع الأشجار الجميلة التي تبعث في عيون الناظرين القادمين من زحمة العاصمة، متعة وراحة نفسية عميقة تملأ الصدر والجوانح المفعمة بحب الأردن والانتماء لترابه الطهور.
أفواج الأردنيين القادمين من كل أنحاء الأردن والذين يمثلون كل مكونات الشعب الأردني، استطاعوا التعبير عن هذه اللحمة الوطنية بطريقة عفوية، من خلال الإجماع على هذا اللون من المشاعر الفياضة المنبثقة من التوافق على حماية الأردن واستقراره، مما يفتح المجال واسعاً أمام السياسيين للبحث عن المساحة المشتركة التي تجمع ولا تفرق، وتوّحد ولا تشتت، وتبني برنامجاً وطنياً يجمع شمل الأردنيين، في عملية البناء والنهوض دون حاجة إلى اشعال بذور النزاع والفرقة.
نحن بحاجة إلى مزيد من الوضوح والشفافية مع الجمهور في قضايا السياسة الخارجية تماماً كما هو الحال في قضايا السياسة الداخلية، وبيان رؤية الأردن ورسالته التي ينبغي أن تكون أهزوجة على لسان كل الأردنيين، بحيث يستطيع كل سياسي أردني أن يكون واقفاً على سياسة بلده، الواضحة المعالم، المحددة في خطواتها العريضة، الكفيلة بتفسير الأحداث والقضايا المتفرعة عنها.
القضية الأخرى التي تستحق التوقف هي تلك المنبعثة من اهتمام الأردنيين بتفاصيل الشأن الداخلي الحزبي، وخاصة ما يتعلق بموضوع الحركة الإسلامية و «زمزم» وكلهم يسأل ويحاور، ويحاول أن يفهم الصورة الحقيقية بما فيهم «السفير» الغارق في موضوع الاستقبال والتهنئة، حيث أفرد جزءاً من وقته للسؤال حول منهجية المبادرة، وأنشطتها التي تهدف إلى انشاء ثقافة مجتمعية جديدة، وبيئة سياسية جديدة تهيء بناء حالة مجتمعية واسعة، تتسم بالإيجابية والطموح نحو بناء الأردن الحديث، والشروع في بناء نهضة أردنية متميزة تستقطب الكفاءات المتميزة بطريقة مثمرة قادرة على تخطي حالة السلبية واللامبالاة التي تترعرع على حواف الخلاف الأيدلوجي، والتعصب الضيق الذي يقوم على أسس دينية أو مذهبية أو جهوية أو تبعية غير مشروعة لأنظمة أخرى خارجية.
الشكر والتقدير لكل الأردنيين الذين قطعوا هذه المسافة للتعبير عن موقفهم الوطني النبيل، والشكر لعشائر بني حسن والحراحشة وبيت العيطان الذين استطاعوا تمثيل الأردن بأصالة وانتماء ورجولة وقيم نبيلة.