الحديث عن الصحافة يعني الحديث عن السلطة الرابعة بعد التشريعية (النواب، والأعيان) والتنفيذية (الحكومة) والقضائية(القضاء)، واذا كانت البرلمانات جهة رقابية فإن الصحافة رقابة على الرقابة وعين الشعب على مؤسسات الحكم، وفي نفس الوقت عين الحكم على الشعب. بمعنى أدق يمكننا القول، إن الصحافة عين الدولة على العيون، والأعيان، والنواب وكأنها المكتب والشارع، وهي برج المراقبة الموجود في مكان ما داخل الصحفي (الضمير المهني).
فالمهنية الصحيحة هي التي ترى بوضوح، وتنقل بأمانة، وتحكم بالعدل على ما ترى. أدواتها -في ذلك- الحياد عن اي غرض شخصي، أو حزبي، أو طائفي، أو عشائري. والحياد يستوجب مرآة نظيفة داخل ضمير الصحفي؛ لتنقل الصورة كما هي، وتقدمها للناس، وللحكومة ليرى كلٌ نفسه بوضوح تام. يسهل المشهد لمن يريد أن يقّوّم نفسه، أو يصحح غيره ويصلح ما افسده غيره، أو أفسده هو دون أن يدري.
العامل الآخر هو المصداقية، وحتى انك حتى تكون صادقاً يجب أن تكون مهنياً. وأنْ تكون مهنياً يجب أن تكون صادقاً.
نحن نتحدث -هنا- عن دول ديمقراطية حقيقية نابعة من داخل الدول التي مرت بمراحل فعلية؛ من اقتتال وحروب داخلية وخارجية استمرت عشرات السنين حتى وصلت مرحلة انْ تكون الحكومات خادمة للشعوب وليس العكس، وأنْ يستقيل رئيس حكومة؛ لأن سيارة دهست تلميذاً ذاهباً الى مدرسته، وأنْ يعمل رئيس وزراء سائق تكسي ليرى معاناة الناس على الطبيعة، وأن يذهب وزير الى عمله على دراجة هوائية توفيرا للطاقة؛ لان شعبه يعاني من اسعار الوقود.
نحن هنا نتحدث عن صحافة الدولة العظمى؛ إذْ اسقط صحافي رئيسها وأعني فضيحة ووترجيت التي اسقطت الرئيس الأميركي نيكسون وعن صورة صحفية أدت الى انهاء حرب فيتنام والأمثلة كثيرة.
والسؤال: هل نظريات الصحافة تختلف عن التطبيق؟
بالطبع ودون تردد نعم. فأولاً، نحن -الدول العربية أو أغلبها وبدرجات متفاوتة- لسنا دولاً ديمقراطية بل لدينا واجهات ديمقراطية.نسير بخطوات متفاوتة نحو الديمقراطية لكننا لم نصلها بعد . ونحن نتزين بالديمقراطية لارضاء دول كبرى كثمن لما تقدمه لنا من مساعدات مالية، وحتى يرضى عنا البنك الدولي، حفظ الله امواله؛ التي تطعمنا وتسقينا لكنها لا تنجينا ولا تؤمننا من خوف . ان الاستقلالية الحقة هي شرط اساس لممارسة المهنية الصحفية. فكيف تتم الممارسة في دول ليست مستقلة بالكامل عن الدول الكبرى؟! نحن دول لا تزال ترضع رغم تجاوزها سن الفطام بعشرات السنين.
كان الامل بما سمي «الربيع العربي» لكن للأسف تبين انه مبرمج ليكون خريفاً من أقسى وأخبث «الخريفات» التي حولت شعوبا الى خراف تذبح بسكين عربية. وتولينا نحن مهمة القتل بدلاً من اعدائنا التقليديين، ولا نريد منةً من أحد!
كيف لنا ان نمارس الحرية في دول مكبلة بالقروض الاجنبية؟ وكيف للحرية ان تنمو داخل بشر مقيدين بسلاسل من الاسعار والضرائب التي وصلت حد الهواء الذي نتنفسه.
لندع الصحافة لأهلها « الديمقراطيين بحق « ونلتفت الى واقعنا العربي الذي تتهدده مؤامرات وحشية، وعدو موغل في العداء ..واقع يقسَم فيه المقسَم، ويهوي من حفرة الى حفرة !!