متاعب عديدة واجهت الحركة السياسية الأردنية، حدت من نشاطها، وحالت دون تحقيق تطلعاتها، وأبقتها أسيرة للوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الداخلي الصعب، الذي يواجه الأردنيين، ويعانون منه، إضافة إلى تأثرها السلبي بمسار ونتائج ثورة الربيع العربي، وانعكاس ذلك كله، على أمال الأردنيين، وتطلعاتهم نحو الأمن والإصلاح والتقدم والتطوير.
فثورة الربيع العربي في مصر وليبيا واليمن وسورية وحتى العراق والجزائر، تخوض نضالاً معقداً متقلباً، غير مثمر لهذا الوقت، بل تزداد قسوته على حياة المصريين والليبيين واليمنيين والسوريين وعلى العراقيين والجزائريين، وعلى خياراتهم، وإذا استثنينا المغرب وبلدان الخليج العربي، بدون البحرين، فعوامل الاستقرار تميل أكثر نحو الهدوء والاتزان والتطور الطبيعي التدريجي باتجاه المستقبل بدون أن نلحظ، مظاهر كامنة، لخضات انقلابية يمكن أن تدمر، أو تحد من عوامل الاستقرار المتمكنة، وحصيلة ذلك، انعكست على وعي الأردنيين وعلى خياراتهم.
ولهذا خرج الأردن من مأزق ثورة الربيع العربي سالماً، بعد سنواته الثلاث 2011 – 2014 وإن كانت أثاره، وخاصة السورية وحتى العراقية إضافة إلى الليبية، تركت بصماتها الحادة على حياة الأردنيين، وعلى أمنهم واستقرارهم بشكل أو بآخر.
ولذلك يمكن القول، إن العوامل الداخلية، والمحيطة، حمت الأردن من رياح ثورة الربيع العربي وتفجيره من الداخل، وبالتالي تحاشى ما حصل في بلدان الربيع العربي من سلبيات ودمار، وهذا يعود لعدة أسباب محلية أردنية، وقومية عربية يقف في طليعتها:
أولاً: انقسام الحركة السياسية الأردنية بين ثلاثة تيارات رئيسية هي 1- الإخوان المسلمون، 2- الأحزاب اليسارية والقومية، 3- الحراكات الشبابية المتلهفة والتي لا تحترم الأحزاب التقليدية من الإخوان المسلمين والأحزاب اليسارية والقومية، وتجد في نفسها أنها البديل عنهم، ولذلك وبسبب هذا الانقسام وغياب البرنامج الموحد والأجندة المشتركة، لم تستطع نشاطاتها وبرامج عملها أن تكون عامل جذب لقطاعات واسعة من الأردنيين للمشاركة في فعالياتها، وبسبب ذلك كان تأثير هذه الحراكات والنشاطات والفعاليات محدودا على مؤسسات صنع القرار، ما دفعها لتتكيف مع فعالية الحراكات، وتتحمل تباعاتها، وامتصاص قوة اندفاعها، بدون التصدي لها، أو التصادم معها.
ثانياً: لقد شكلت المظاهر السلبية لثورة الربيع العربي، وتدمير بنى المجتمع الذي اجتاحته، ونجاح القوى المتطرفة لتكون عنواناً فاقعاً له، وغياب البرامج الواقعية التدريجية للتقدم والتطور، والنتائج السلبية لإفرازات صناديق الاقتراع، وتفاقم الآثار الاقتصادية والاجتماعية، جعلت مظاهر الربيع العربي، وعملياته التدميرية عناوين مقلقة للأردنيين، حدت من تطلعاتهم، وانكفاء حماسهم للربيع العربي، فالأردنيون يتطلعون للإصلاح والديمقراطية، ولكنهم لا يحبذون خيارات التطرف الأصولي السائد في بلدان ثورة الربيع العربي، ولذلك كانوا متحفظين في تجاوبهم مع حراكات الشارع ومظاهراته واحتجاجاته.
ثالثاً: انقسام المجتمع الأردني بين فئتين بارزتين، إحداهما ترى أن الأولوية للإصلاح والتغيير، والثانية تتحفظ على شعارات الإصلاح والتغيير، لأنها ترى أن الخطر الأول الذي يهدد الأردن، هو المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي وشعاره في الوطن البديل، ومحاولة إعادة إنتاج حل القضية الفلسطينية خارج فلسطين، باتجاه الأردن، وقد انقلبت التحالفات والمواقف والانحيازات بين الفئتين، فالفئة الأولى التي شكلت القاعدة الاجتماعية للنظام تاريخياً، وخاصة أبناء الريف والبادية، وهي الرافد البشري الأساسي لمؤسسات الدولة وأجهزتها، وهي الداعم لسياساته وخياراته، تحول بعض رموزها ومظاهرها، في الريف والبادية، من مظاهر التأييد والولاء، إلى قاعدة للمعارضة، ومعين لرفد الاتجاهات المتطرفة الأصولية، عناصر نموها واستمرارها، كما هو حاصل في معان والسلط ومأدبا وغيرها، بينما سكان المدن في عمان والزرقاء وإربد، التي كان نشاطها سياسياً موصوفاً بالمعارضة، تحولت إلى 1- مؤيدة للنظام، أو 2- مهادنة له، وفي أغلب الأحيان، لم يتجاوب سكانها وأحياؤها الفقيرة، ومخيماتها، مع دعوات المعارضة ولم تصل احتجاجاتها لتكون ذا أثر على الحياة السياسية، وبقي ترهلها أو صمتها، أو مهادنتها بمثابة أسلحة محبطة لمعارضة الريف والبادية، وسلاح قوي بيد مؤسسات الدولة، فالنتيجة دللت على أن غالبية الأردنيين من سكان المدن، لم يتجاوبوا مع دعوات المعارضة، للمشاركة في الاحتجاجات المتواصلة أو المتقطعة ضد السياسات الحكومية.
رابعاً: لقد كان تجاوب رأس الدولة، جلالة الملك، ومؤسسات النظام مع رياح التغيير وثورة الربيع العربي إيجابياً، في عدة عناوين أبرزها التعديلات الدستورية، قانون الانتخاب، نقابة المعلمين، الهيئة المستقلة للانتخابات، ومحاكمة بعض رموز النظام الأقوياء بتهمة الفساد أو مطاردتهم أو التوصل معهم إلى تسويات.
صحيح أن التعديلات الدستورية، غير كافية، وأن قانون الانتخاب غير نموذجي، ومظاهر محاربة الفساد غير فاعلة، ولكنها عناوين مهمة لم تكن لتوجد لولا ثورة الربيع العربي، ولولا تجاوب رأس الدولة ومؤسساته مع تطلعات الأردنيين، ما وفر صيغة مهدئة، وخياراً يمكن المباهاة به، تصديقاً لتجاوب النظام مع معطيات الربيع العربي وتطلعات الأردنيين نحو التغيير والإصلاح.
h.faraneh@yahoo.com