التطور السياسي في الدول النامية ليس دوما إيجابيا ولا يسير بالضرورة في اتجاه الديمقراطية والحرية وحكم الشعب للشعب. الحقيقة أن مراجعة لتجارب كثير من الدول النامية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية يخبرنا بأن هذا التطور قد يكون سلبيا وليس في صالح الديمقراطية، وفي أحيان كثيرة فإن من يصوغ مسارات التطور هي نفس القيادات الحاكمة أو بطاناتها؛ حيث تحرص هذه الأسر الحاكمة على استمرار هيمنتها وسيطرتها على مفاصل الدولة وإمكاناتها؛ فتهيمن على قيادة الجيش، والحرس الجمهوري أو الملكي، والمخابرات، والأمن العام، والدرك، وحتى الدفاع المدني لا يفلت من هذه السيطرة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل من المعقول أن تثق الشعوب المظلومة بقيادات تسببت بشقائها وحرمانها وبؤسها، أن تنهض لتصلح طواقم الدولة وتضع دستورا وقوانين تحد من صلاحياتها؟ هل من المعقول أن تثق هذه الشعوب بذات القيادات ليتغير وجه نظام الحكم الذي يمكن أن يجرد هذه النخب من قدرتها على نهب الشعوب والسيطرة عليها ؟ هل كان من المعقول أن يتنازل زين العابدين بن علي وحسني مبارك طوعا عن السلطة؟ وهل مجيء السيسي وانقلابه على السلطة الشرعية كان عبثا أم هو عودة لنظام مبارك؟ وماذا يفعل بشار الأسد في سوريا؟ حيث أباد شعبه ومقدرات بلده وشرد مواطنيه وأهان كرامة شعب كامل أليس من أجل الهيمنة واستمرار قمع الشعب، وها هو يترشح مرة أخرى ويتحدث عن الإصلاح السياسي؟ قولوا لي بربكم هل من المعقول أن يترشح عبدالعزيز بوتفليقة للمرة الرابعة لرئاسة الجزائر وهو في سن الثمانين من عمرة وفاقد الأهلية لدرجة أنه لم يقو على السير على قدميه لصناديق الاقتراع المزورة؟
أين نحن في الأردن من ذلك كله وهل يتطور النظام السياسي بشكل واتجاه إيجابيين؟ لا أعتقد ذلك حيث أن البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير. فنحن لم نلمس لغاية الان تطورا إيجابيا ملموسا على واقع الحياة السياسية، باستثناء بعض النتف هنا وهناك في الكلام والانتقاد دون اكتراث ودون حدوث تغيير حقيقي على الدستور والمنظومة التشريعية، التي تضع شكل الحياة السياسية في الدولة الأردنية.
قوانين كثيرة تسن وانتخابات شكلية تجرى، ومحاكم تنظر بقضايا فساد، وتقارير ترفع للقيادة السياسية، وتكليفات، وردود على كتب التكليف يمضي المذيع سويعات وهو يقرأها مع أنني متأكد أنه لا يؤمن بها. معظم الأشياء تتغير وتتطور الى الأسوأ؛ فالأسعار ارتفعت بشكل جنوني، والبطالة وصلت أرقاما فلكية، والفقر سجل أرقاما غير مسبوقة، ومستوى الجريمة ارتفع بشكل صارخ، والظلم في داخل الأجهزة الحكومية والوزارات منتشر، وتعيينات مستمرة في مواقع قيادية مستندة للنفاق السياسي والتسحيج، والضرائب مستمرة في ارتفاعها، وما زال كثير من الأشخاص يتم توقيفهم ويحاكمون أمام محكمة أمن الدولة المخصصة أصلا للعسكريين بتهم إطالة اللسان وتقويض نظام الحكم وقدح المقامات العليا. يا ترى أين التطور الإيجابي في النظام السياسي الأردني؟.
النظام السياسي الأردني ورغم ادعاءاته بالإصلاح ورغبته في التطوير والوصول الى حكومات برلمانية والولاية العامة للحكومة، فإن هذا النظام يفعل عكس ذلك ويعيق الإصلاح السياسي الذي يفقده القدرة على السيطرة والهيمنة على مقدرات الدولة ومحاور القوى السياسية والاجتماعية. ما زال النظام يسيطر على أداء النواب والأعيان والوزراء والأجهزة الأمنية والقيادات العشائرية، فهل من المعقول أن يتم تشريع أو تغيير دستوري أو سياسي يمكن أن يضحي بمصالح النخبة الحاكمة والعيش الرغيد الذي تعيشه والامتيازات الهائلة التي تنعم بها؟ سؤال يبقى برسم الإجابة من قبل السادة القراء الذين نثق بذكائهم.