في واشنطن اليوم زعيم الائتلاف السوري المعارض أحمد الجربا، بعد دعوة تلقاها أخيرا من واشنطن بعد تدخل عربي وخليجي، والجربا وجماعته يحتفلون بهذه الزيارة، وكأنها فتح يقترب من فتح القسطنطينية، لمَ لا فالتعويل على الأجنبي عقيدة؟!.
مع الجربا وفد عسكري، وملفات ومطالب، تبدأ بطلبه تعميد الائتلاف باعتباره ممثلا وحيدا وشرعيا للشعب السوري، وان يتم افتتاح سفارة ذات حصانة دبلوماسية، مرورا بالحصول على الدعم المالي، ثم رغبة الائتلاف بالحصول على اسلحة مضادة للطائرات وادخالها لاحقا عبر الاردن وتركيا تحديدا لتحقيق ردع ضد دمشق الرسمية، والجربا يريد للهول أن يقرر الكونغرس قوانين ضد المسؤولين السوريين، لمَ لا، فالرجل يظن ان الكونغرس يفكر كثيرا بحال السوريين وحالنا، وسوف يستجيب لاستغاثاته؟!.
من حق الجربا أن يحلم كما يشاء، وان يعتبر واشنطن قبلة العرب الجديدة، انظمة ومعارضة، غير انه واهم جدا إذ يراهن على واشنطن التي تركت الثورة السورية لتدخل عامها الرابع دون ان تتدخل بغير الكلام الساخن وبقليل من الاسلحة الخفيفة والتدريبات، وقد رأينا سفنها في شرق المتوسط، تهدد ولا تطلق قذيفة واحدة ضد النظام السوري.
هذا كله يقول ان واشنطن لن تتورط في الملف السوري، ما دامت النار تحرق السوريين وحدهم، ولا تصل اثارها الى اسرائيل وأمنها تحديدا.
وسط هذه التفاصيل تريد المعارضة السورية سلاحا نوعيا، وعواصم عربية نافذه تتأوه ليل نهار رغبة بإنهاء المعركة بعد كل هذه الخسائر الانسانية والمالية التي دمرت اهم حاضنة عربية مشرقية، غير ان اللافت للانتباه هنا، اعتقاد المعارضة السورية انها بمجرد اخذها لمباركة واشنطن بإيصال السلاح المضاد للطائرات، فسيتحول الاردن الى تابع صغير منفذ لحسابات واشنطن، وسيكون لحظتها مجرد جسر لعبور هذه الاسلحة المتطورة مع حامليها.
اذا كانت عمان هنا تتجاوب مع بعض رغبات العواصم النافذة في العالم لاعتبارات السياسة والبقاء والتقاطع احيانا، فإن الاردن في حساباته الخاصة جدا، ليس معنيا بإدخال اسلحة مضادة للطائرات عبر اراضيه.
الى من سيسلم الاردن هذه الاسلحة، وهو يعرف ان هناك فصائل سورية اخترعتها المخابرات السورية، وفصائل ستتاجر بهذا السلاح وقد تبيعه للقاعدة او لمهربين فيعود الى عمان وغيرها من مدن؟!.
في حسابات الاردن العميقة، فروقات هائلة بين كلفة اللجوء السوري والمخاطر الامنية الحالية، ومخاطر وكلفة التورط بما هو اعلى درجة على الصعيد العسكري.
الجربا في واشنطن وهو يعتقد مثل كل معارض عربي، ومثل كل نظام عربي، ان الحل والربط في واشنطن، وهكذا تتساوى قيمة الانظمة والمعارضات في بعض الحالات، غير ان اللافت للانتباه هنا، ان الائتلاف السوري يعتقد أنه لا حاجة للتنسيق لوجستيا مع الاردن حول قدرته على تعهد مهمة الصواريخ المضادة للطائرات.
كل القصة عنده اخذ موافقة واشنطن على منح هذه الاسلحة، فيما الاردن سينفذ مجبرا، والتمويل عربي، وكأن لا حسابات مباشرة للداخل الاردني تبدأ بارتداد هذه الاسلحة على الاردن بشكل او آخر، او حتى شبك الجبهتين السورية والاردنية معا، وفي احتمال ثالث خروج الخلايا الامنية السورية من سباتها في الاردن، لتنفيذ اعمال انتقامية.
هذا أمر مؤسف لا تقف عنده المعارضة السورية، التي كل همَّها الاطاحة ببشار الاسد، لكنها لا تريد ان تستمع الى كلفة المحنة السورية واثارها على دول الجوار.
لعل السؤال المطروح على الجربا في غزوة واشنطن: ما الذي يجعلك تظن ان على كل دول الجوار ان تدفع معك هذه الكلفة المؤلمة جراء الازمة السورية، وما الذي يجعلك تصدق ان الاردن مؤهل هنا لشبك شماله بجنوب سورية، وتحويل كل هذه المنطقة الى منطقة عمليات وعمليات ارتدادية على الصعيد الامني والعسكري؟!.
ما يقال هنا مثنى وثلاث ورباع، ان العالم نجح في توظيف الازمة السورية عبر ادامة التناقض بين دمشق الرسمية والمعارضة، بحيث تم توظيف كل هذا الصراع على ما فيه من عدالة ومظلومية من اجل تدمير بنى الدولة السورية شعبا واقتصادا ومجتمعا، فوق الثأرات النائمة والكراهية التي تمَّ بذرها في صدور السوريين تجاه بعضهم البعض.
أغلب الظن أن الجربا سيعود من واشنطن ببعض تصريحات واحتمالات، فيما لا يملك هو الجواب الذي تنتظره واشنطن، حول قدرته وجماعته فعلا على تمثيل الميدان المنفلت، ولا قدرته وجماعته على النطق باسم كل السوريين.
الرجل كسر عصاه في اول غزواته، لأن كل العالم خان الشعب السوري في ثورته وتركه وحيدا يهدم المهدوم، ويزلزل ما تبقى, وينتظر جنيف الثالث والرابع.