عن العراق الديمقراطي الجديد احدثكم: انتخابات على دوي الانفجارات..
- الأحد-2014-05-04 | 09:34 am
أمل خضر
أخبار البلد -
قبل بضعة ايام كتبت مقالا في هذه الصحيفة بمناسبة بدء الانتخابات البرلمانية العراقية، قلت فيه ان العراقيين "ربما” كسبوا الديمقراطية ولكنهم خسروا الاستقرار والامن والهوية الوطنية الجامعة، فقامت الدنيا ولم تقعد، فقد توقف الكثيرون عند كلمتين في المقال كله، وهما "كسبوا الديمقراطية” ونسوا كلمة "ربما” المشككة التي سبقتهما، وتجاهلوا كل، او معظم، ما ورد في المقال من افكار، وربما حكموا عليه، او بعض المعلقين، من عنوانه.
اعود اليوم مرة اخرى الى الموضوع نفسه، بعد ان تابعت والملايين مثلي، الانتخابات والمصوتين فيها عبر شاشات التلفزة العراقية، وما اكثر قنواتها، حيث يقدم زملاء المهنة ارواحهم بحثا عن الحقيقة، وتغطية للاحداث بشجاعة نادرة، وسط حقول الغام، وبيئة هي الاكثر معاداة للعمل الصحافي باشكاله كافة.
عندما يدلي السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي، الذي يعتقد كثيرون انه الافضل حظا في الفوز بولاية ثالثة، بصوته في قاعة بفندق فخم في المنطقة الخضراء الغابة الامنية الاكثر تحصينا في العراق وهي بالمناسبة منطقة قصور الرئيس الراحل صدام حسين التي طالما "عايروه” ببنائها من مال الشعب، ويلوح بعدها، اي السيد المالكي، لعدسات التلفزة المتزاحمة حوله باصبعه "الملطخ” باللون البنفسجي، يعني ان العراق ما زال مريضا وغير آمن بعد احد عشر عاما من اطاحة النظام السابق، وبعد عامين من انسحاب القوات الامريكية تقريبا المحتلة تقريبا.
***
الانتخابات التي شارك فيها مئة حزب، واكثر من تسعة آلاف مرشح، يتنافسون على 328 مقعدا في البرلمان جرت على وقع التفجيرات والعمليات الانتحارية، وقذائف الهاون ونحيب اسر القتلى والجرحى، وضجيج سرادق العزاءات في مختلف انحاء البلاد، زمن ابناء الطوائف جميعا.
امران غير معروفين على وجه الدقة في عراق اليوم، الاول ارقام تصدير براميل النفط العراقي، والثاني اعداد القتلى، فالحكومة العراقية تتستر على الاولى ونهب الميليشيات الموالية لها لملايين البراميل وتحول عوائدها لحساباتها وزعاماتها، وتوقفت عن احصاء ارقام القتلى منذ زمن بعيد.
"العراق الجديد” يعيش حاليا مرحلة دموية مماثلة لذلك التي سادت بين عامين 2006 ـ 2008، حيث يبلغ عدد القتلى بمعدل الف قتيل كل شهر منذ بداية العام الحالي، والجهات التي تخوض الحرب حاليا متعددة الولادات الطائفية والسياسية، فهناك الدولة الاسلامية في العراق والشام التي تسيطر على معظم المناطق الشمالية من بغداد وحتى الحدود السورية، وهناك عصائب الحق وهي ميليشيات شيعية تمارس القتل والتفجير مثل الاولى وربما بطريقة اكثر دموية تحت غطاء محاولة تأمين بغداد العاصمة، وهناك قوات الامن والجيش التي تتعاطى مع المواطنين بطريقة الميليشيات، وليس كقوات رسمية تلتزم بالقانون.
هذه هي الديمقراطية والحكم الرشيد، والنموذج الساطع في الرفاهية وحقوق الانسان التي جاءت بها الولايات المتحدة "هدية” الى الشعب العراقي المسحوق حسب تعبير رئيسها الاسبق جورج بوش وعصابة الكذب والتضليل التي شاركته غزوه واحتلاله لهذا البلد العريق الرائد من امثال توني بلير خوسيه ماريا اثنار ونيكولا ساركوزي وسيلفيو برلسكوني علاوة على مجموعة من الكومبارس العرب والعراقيين الذين يصعب عدهم لكثرتهم.
الجزائرون يتندرون على الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي ذهب الى صندوق الاقتراع ليدلي بصوته على كرسي متحرك، واقسم اليمين الدستورية على الكرسي نفسه بعد فوزه، ولكنهم نسوا في غمرة انشغالهم بمأساتهم هذه، ان الرئيس العراقي جلال الطالباني فعل الشيء نفسه من مشفاه في المانيا حيث يعالج من ازمة قلبية مماثلة اقعدته، وشلت حركته، ولكن عزاء العراقيين انه رئيس "تشريفات” وبلا صلاحيات تنفيذية او تشريعية حقيقية، وغيابه لا يؤثر مطلقا على مجريات الامور في البلاد، ونتمنى لهما الشفاء في جميع الاحوال.
تضخم اعداد الاحزاب والقوائم المشاركة في الانتخابات ادى الى تشرذم العملية السياسية وتعقيدها اكثر مما هي معقدة، وسيجعل من مسألة تشكيل حكومة مهمة شبه مستحيلة، ولذلك علينا ان ننتظر عدة اشهر حتى نرى الدخان الابيض صاعدا من قبة البرلمان.
***
السيد مقتدى الصدر لم يجانب الصواب عندما وصف السيد المالكي رئيس الوزراء الحالي، والاكثر ترجيحا للفوز وتشكيل الحكومة بالديكتاتور لانه حكم البلاد لفترتين بالقبضة الحديدة مرفوقة بالدعم الايراني معا، فهو وزير الدفاع والداخلية والمالية والمسيطر على الجيش وقوات الامن والمخابرات سيطرة مباشرة، ولا يعرف قاموسه كلمة "المشاركة” ولا يؤمن بشيء اسمه التعايش وكل الصلاحيات في يده والموالين له من اسرته او حزب الدعوة الذي ينتمي اليه، ولذلك فان البلاد مقدمة على كارثة اكبر اذا ما فاز واستمر في اتباع النهج نفسه.
الدكتور اياد علاوي رئيس قائمة العراقية العلمانية الذي فاز بالنسبة الاكبر من المقاعد في الانتخابات السابقة ولم يفز بالحكم بسبب التدخلات الامريكية والايراينة المشتركة، قال انه سيعتزل السياسة اذا ما فاز خصمه المالكي، وشكل الحكومة في ولاية ثالثة، ربما لا نتسرع اذا قلنا ان عليه ان يعتزل فورا وان لا ينتظر نتائج الانتخابات الاولية التي ستعلن تباعا في منتصف الشهر الحالي، ليس لان السيد المالكي هو المرجح لتشكيل الحكومة، وانما قد لا تبقى عملية سياسية في العراق، او حتى دولة تديرها حكومة حتى يشارك هو وغيره فيها!ٍ