بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل يؤكد ان الفلسطينيين لن يحصلوا على دولة خاصة بهم الا عن طريق المفاوضات، ولذلك يهددهم بعقوبات كبيرة واجراءات احادية الجانب اذا لم يتجاوبوا مع طلباته بمواصلتها والتراجع عن قرارهم بالذهاب الى عضوية منظمات تابعة للامم المتحدة.
الرئيس محمود عباس يقوم بحركة «استعراضية»، ويوقع طلبات الانضمام الى هذه المنظمات بازاء عدسات التلفزة، ويرسل كبير مفاوضيه الدكتور صائب عريقات لحضور اجتماع مع نظيرته تسيبي ليفني وزيرة «العدل» الاسرائيلية برعاية مارتن انديك المبعوث الامريكي للسلام.
لا يحتاج نتنياهو لتذكيرنا بان الدولة الفلسطينية لا تأتي الا عبر المفاوضات لاننا لم ننس ان الفلسطينيين بتوصية من السيد عباس يتفاوضون منذ عشرين عاما للوصول الى هذه الدولة من دون فائدة، وكأنهم يلهثون خلف سراب، والاخطر من ذلك انه لم تبق ارض لاقامة هذه الدولة عليها في ظل التوحش الاستيطاني الاسرائيلي.
هناك مثل فلسطيني يقول: «اللي بدو يضرب ما بيكبر حجره»، وهذا المثل ـ لا بد ان هناك امثالا عديدة مثله ـ ينطبق على الرئيس عباس، وتوقيعه طلبات العضوية في المنظمات الدولية على ضوء فلاشات كاميرات التلفزة، فالانضمام الى هذه المنظمات تأخر اكثر من عام اولا، وجرى استخدامه ورقة مساومة ثانيا، وتوقيع الطلبات جاء نوعا من الضغوط، يمكن التراجع عنه ثالثا.
في غمرة حالة الضياع التي تعيشها القضية الفلسطينية حاليا، ضاعت الكثير من البديهيات الاساسية، نجد لزاما علينا ضرورة التذكير بها:
*اولا: لن يتحرر اي شبر من الاراضي الفلسطينية الا بالمقاومة الحقيقية، وبعد التضحية بالكثير من الدماء والارواح والاسرى، فارئيل شارون لم ينسحب من قطاع غزة ويتنازل عن 17 مستوطنة فيه، الا بعد تفاقم الخسائر البشرية والمادية الاسرائيلية، ولم يقرر ايهود باراك رئيس الوزراء الاسرائيلي الانسحاب من جنوب لبنان بقرار احادي الجانب عام 2000 الا للسبب نفسه.
*ثانيا: اسرائيل لم تفرج عن اعداد ضخمة من الاسرى الا بسبب خطف جنود اسرائيليين، واستبادلهم باسرى فلسطينيين، وكانت اول واضخم عملية تبادل (النورس) حصلت عام 1983 بين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة ـ واسرائيل بعد تسليم ستة جنود اسرائيليين، جرى اسرهم في لبنان، وكان عدد المفرج عنهم 4700 اسير فلسطيني ولبناني، ثم جاءت صفقة تبادل ثانية بين حزب الله واسرائيل عام 2008 تم خلالها تسليم رفات جنود اسرائيليين مقابل الافراج عن جثامين 100 لبناني وفلسطيني علاوة على الافراج عن عميد الاسرى سمير القنطار، واخيرا صفقة شاليط، التي ادت الى الافراج عن اكثر من الف اسير فلسطيني ولبناني.
*ثالثا: استراتيجية نتنياهو المدعومة امريكيا هي التفاوض من اجل التفاوض، والى اجل غير مسمى، وكان واضحا منذ البداية ان الطرف الفلسطيني يتعرض الى عملية «ابتزاز» لابقائه في هذه الدائرة المفرغة الى الابد.
كثيرون طالبوا الرئيس عباس، ومنذ ان تسلم السلطة خلفا للرئيس الشهيد ياسر عرفات بان ينسحب من المفاوضات ويحل السلطة، ويعلن فشل العملية السلمية، ولكنه لم يفعل ولن يفعل، ولذلك فان تهديداته جميعها، وآخرها، الذهاب الى المنظمات الدولية، ستعطي اسرائيل الذريعة لالحاق المزيد من العقوبات الانتقامية بالفلسطينيين.
العلاج يجب ان يكون جذريا، والمواجهة يجب ان تكون شاملة، وعمليات «الترقيع» هذه لن تفيد مطلقا، بل ستُطيل عذابات الشعب الفلسطيني، وقال اجدادنا قديما: «ان آخر العلاج الكي».