المشير عبد الفتاح السيسي قرر رسميا ان يترشح لخوض انتخابات الرئاسة المصرية، والقى خطابًا عاطفيًا الى الشعب متعهدًا بقيادة مصر الى بر الامان، من حيث تحسين الظروف الاقتصادية والقضاء على «الارهاب» وتوفير الوظائف للعاطلين من العمل واستعادة الدور المصري الريادي.
اللافت ان المشير السيسي لم يتخل عن بزته العسكرية كما انه تمسك برتبته العسكرية ما يوحي انه يريد ان يقول بانه سيظل ينتمي ولو نفسانيًا، الى مؤسسة الجيش التي خدم فيها اكثر من اربعين عاما في مواقع قيادية متعددة، آخرها القائد العام ووزيرا للدفاع.
هبوط البورصة المصرية بنسبة اثنين ونصف من مئة اي نحو 2.5 مليون دولار يوم الخميس الماضي، اي اليوم الذي اعلن فيه استقالته من وزارة الدفاع وخوضه الانتخابات، يؤشر على حالة قلق في اوساط القطاع المالي الاستثماري، وشــــــكوك في قدرته على تحسين الاقتصاد وتحقيق الاستقرار بالتالي.
فرص فوز المشير السيسي كبيرة نظرا لعاملين اساسيين:
*الاول: شعبيته الكبيرة في الشارع المصري الذي يعتبره بطلا منقذا اطاح حركة الاخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي ابنها البار الذي فاز بالرئاسة في انتخابات حرة ونزيهة.
*الثاني: ضعف المرشح المنافس له، اي السيد حمدين صباحي ممثل التيار الشعبي الذي حل ثالثا في الانتخابات الماضية، فالسيد صباحي حظي بنسبة جيدة من الاصوات لانه كان مرشح الوسط بين مرشح اخواني (مرسي) ومرشح النظام السابق (احمد شفيق)، اي ان الاصوات التي حصل عليها «احتجاجية» وهذا امر متبع ومألوف في الانتخابات عموما.
المشير السيسي لا يملك مشروعا اقتصاديا او سياسيا واضحا بل خطوطا سياسية عامة، وجذور شعبيته «عاطفية» تقوم على عنصر «الكراهية» لحكم الاخوان، وهذا ليس كافيا او ضمانة له، لان المزاج الشعبي العام يتغير بسرعة، فمن يكرهون الاخــــــوان اليوم احبوهـــــم بالامــــــس، واعطوهم 76 من مئة من مقاعد البرلمان، ومعظم مقاعد مجلس الشورى، ثم رئاسة الجمهورية.
التحديات التي يواجهها المشير السيسي كبيرة جدا، بل اكبر من طاقته او طاقة اي مرشح آخر، فديون مصر نحو 1.5 تريليون جنيه مصري (150 مليار دولار) والعجز في الميزانية العامة نحو 25 مليار دولار، والقطاعات الانتاجية تترنح خاصة صناعة السياحة.
ولعل التحدي الاكبر هو «الارهاب» ليس في سيناء فقط، بل في العمق المصري نفسه، فالسيارات المفخخة وصلت الى قلب القاهرة، ومحاولات الاغتيال وصلت الى وزير الداخلية اللواء محمد ابراهيم.
اقصاء حركة الاخوان من العمل السياسي كان من اكبر الاخطاء التي ارتكبها المشير السيسي، لان هذا الاقصاء قد يدفع بالجناح المتطرف في الحركة الى العنف، اما الخطأ الثاني فتمثل في كبح الحريات التعبيرية (السيطرة على الاعلام)، وتسييس القضاء، واصدار احكام باعدام 528 متهما في محاكمة لم تستمر الا يومين هو بمثـــابة اعلان غير مباشر لعودة حالة الطـــــوارئ والمحـــــاكم العسكرية.
النخبة السياسية المصرية واعلامها والمشير السيسي نفسه، اصدروا حكما بفشل الرئيس مرسي بعد مئة يوم على رئاسته، وبدأوا بعدها المطالبة باسقاطه من خلال حركات احتجاجية ضخمة. ترى كم من الايام يحتاج المشير السيسي لاثبات نجاحه او فشله في مهمته الصعبة؟
المشير السيسي اقدم على مقامرة كبيرة محفوفة بالمخاطر، احتمالات الفشل فيها اكبر من احتمالات النجاح، ولكن لم يكن امامه خيارات اخرى بعد ان صعد آمال الشعب وتوقعاته بالخلاص، ووضع نفسه في موقع البديل المنقذ.
شخصيا كنت اعتقد ان بقاءه في الخلف في موقعه القوي كقائد للجيش، وحارس لمصر وتجربتها الديمقراطية افضل كثيرا له ولمحبيه، فصانع الرؤساء اقوى من الرؤساء انفسهم في معظم الاحيان.
*رئيس تحرير صحيفة «راي اليوم» الالكترونية المستقلة