أخبار البلد
إن إقرار قانون الموازنة العامة هو من أهم الأعمال التي يقوم بها مجلس النواب سنوياً، فقانون الموازنة العام وهو من أهم القوانين فهو خطة الحكومة لعام قادم وهو حلقة من سلسلة من الخطوات تمثل في مجموعها وفي توالي بعدها الزمني نهجاً اقتصادياً وماليا وبالتالي يعكس فلسفة الاقتصاد الوطني وبما يتضمن من سياسات وثوابت وكذلك أدوات، فهو بالتالي ليس قانونا يعالج جزئية معينة بل له طبيعة الشمولية مثلما له طبيعة المساس بكل مواطن حاضراً ومستقبلاً الأمر الذي يجعل من قانون الموازنة العامة خصوصية قد لا تكون متوفرة في سواه من القوانين.
وإذا كان هذا هو حال قوانين الموازنات العامة، فان مناقشة وإقرار مشروع قانون الموازنة العامة التي أقرته الحكومة للعام القادم مؤخرا يعتبر في هذه المرة استثناءً مهماً، فمشروع القانون الحالي الذي سوف يقدم للمناقشة إلى مجلس الأمة يحمل أبعادا ومعطيات وكذلك أهدافا اقتصادية تحدد توجه الاقتصاد الوطني على المدى القريب وتسلط الضوء على المشهد العام للاقتصاد الوطني وكيف يسير خط الاتجاه العام لأداء الاقتصاد والتنمية، وبالتالي هل نحن مقبلون على حالة انفراج اقتصادي وحالة خروج نحو أفاق رحبة من النمو والتنمية أم أننا لا زلنا نراوح عند كل مثالب التفاقم في عجز الموازنة العامة وتزايد المديونية العامة غير المسبوق.
من هنا فان كل المجاميع الكلية لبنود الإيراد والنفقة عليها أن تكون منسجمة في بعضها البعض وان تكون أيضا منسجمة مع الأهداف التي رسمتها المعطيات والأهداف التي حددها مشروع القانون، فهل يمكن لأرقام ومجاميع الموازنة أن تكون فعلا قريبة من الواقع للعام القادم وان لا يكون الرقم المعاد تقديره يحمل درجة انحراف عالية عن المقدر، ثم هل يمكن بناء على تنفيذ أرقام الموازنة القادمة أن يتم تحقيق نمو حقيقي يصل إلى 3.5% ليرتفع إلى 4% ثم إلى 4.5% على التوالي لعامي 2015 و 2016، ثم هل يمكن بهذه الأرقام المالية وهذه السياسية المالية التي تتضمنها هذه الأرقام أن تتم السيطرة على معدلات التضخم فتأخذ اتجاهاً تنازلياً يوصلها إلى 2.5% عام 2016، ثم هل يمكن الدخول في مرحلة يبدأ فيها الدين العام بالتوقف عن الزيادة أو التراجع مع انه سوف يصل كما هو متوقع إلى حوالي (21) مليار دينار في العام القادم، ثم هل توقع وصول العجز المالي للحكومة والوحدات الحكومية إلى (3.4) مليار ويزيد من شأنه أن يصب في النهاية في معادلة خدمة تحقيق الأهداف الاقتصادية إلي تتوخاها الموازنة العامة.
نقول أن هذه التساؤلات وغيرها يفرض في هذه المرة على مجلس الأمة نمطية مختلفة من نقاش مشروع قانون الموازنة العامة، فالأمر إذاً لا يتصل بتعبيد طريق وإقامة مدرسة أو رفع سوية بنية تحتية في محافظة ما أو لواء أو ناحية، ذلك أننا أمام استحقاق لكي يلف كافة جوانب اقتصادنا الوطني، وإذا كانت هناك من مطالبة أولى من كل هذه المطالبات فهي أن تنسجم أرقام مشروع القانون مع كل توجهات وأهداف برنامج التصحيح أو على الأقل ما تم وضعه من أهداف اقتصادية للعام القادم.
إن هذه النمطية من النقاش هي التي يجب أن تشب عن الطوق وان تسجل حالة من عدم التقليدية في النقاش فنحن على مفترق طرق مهم وعلينا أن نعبر طريق الأمان والسلامة الاقتصادية وعلى قانون الموازنة الجديد أن يكون الخطوة الأولى المهمة في هذا الاتجاه.