على صفحتها الأولى، وفي عدد يوم أمس، نشرت «الرأي» التي نستظل بعباءتها ونتفيأ ظلالها، خبراً مثيراً في ظاهره يقول ان حجم التداول الاجمالي في بورصة عمان يوم امس (الاثنين) بلغ 5ر7 مليون دينار وعدد الاسهم المتداولة 9ر7 مليون سهم، نفذت من خلال 3874 عقداً، هذا الخبر يصف اوضاع يوم جيّد، بث أملاً في استعادة البورصة بعض خسائرها التي تأثرت بعوامل عديدة داخلية واخرى خارجية وخصوصاً نفسية، او هي كانت في بعضها تتكئ على الشائعات او القراءات الخاطئة وربما من بعض الأوساط التي تريد جني المزيد من الأرباح بصرف النظر عن الوسائل والأساليب التي يلجأون اليها لتحقيق اهدافهم «المادية» هذه..
الإثارة في خبر الرأي جاءت في التفاصيل، واعتنت بما حدث في ذلك اليوم، حيث حلّ سهم المؤسسة الصحفية الأردنية «الرأي» ضمن الشركات الخمس الأكثر ارتفاعاً في اسعار اسهمها بنسبة 89ر4% وهذا ما يعنينا في هذه العجالة، التي استندت الى خبر وجد فيه زميلنا المحرر الاقتصادي ما يستدعي ابرازه على الصفحة الاولى، وهو أمر نحسبه (الابراز) منطقياً ومبرراً رغم ان الانخفاض غير المبرر وغير المنطقي الذي طرأ على سعر سهم «الرأي» ، كان خارجاً عن أي سياق، إن لجهة الملاءة المالية الجيدة للرأي وعدم وجود أي مخاطر جدية على استثمارها الأهم بل الاستراتيجي ونقصد هنا المطابع الأحدث في الشرق الأوسط –إن لم يكن في العالم – والتي باتت جاهزة للتشغيل بعد ان انتهت الأعمال الانشائية والبنى التحتية والمرافق والخدمات، لبدء هذا المشروع العملاق – بحق – انتاجه، على ما تم التخطيط له، أم لحقيقة ان «الرأي» في إقدامها على مشروع ضخم كهذا، لم تلجأ الى الاقتراض او تعجز عن دفع رواتب موظفيها وتسديد التزاماتها وكما تكشف ميزانيتها سواء تلك السنوية أم النصف سنوية أم «الربعية» فإنها تحقق ربحاً تشغيلياً يكاد يضعها في مقدمة الشركات الأردنية الاخرى أياً كان اختصاصها، ناهيك عن الأرباح الصافية المعتبرة التي كانت تحققها وتقوم بتوزيعها على جمهور مساهميها، تميزت في أنها كانت توزع احياناً ما يصل الى مائة في المائة (أي سهم واحد لكل سهم) ولم تهبط نسبة التوزيع عن الخمسين بالمائة إلاّ نادراً وكانت موازنة العام الماضي هي الوحيدة التي لم توزع الرأي ارباحاً على مساهميها بقرار من الهيئة العامة، دون إهمال ضخامة الاحتياطيات الاجبارية او الاختيارية التي احتفظت بها الرأي على الدوام فكانت لها تماماً كما يقول المثل الشعبي بمثابة القرش الأبيض إذا ما لاح شبح اليوم الرمادي او الاسود، وهو لم يحل على الرأي بفضل ما تتوفر عليه «قوة» في الاصول ومرونة في الإدارة وتعاون من الهيئة العامة..
من هنا يبدو سعر سهم الرأي (الحالي) غير عادل وغير منصف بل إن الخبر عن ارتفاع سهم الرأي، يبدو وكأنه يزف بشرى ويحفل بالفرح، رغم ان المنطق هو ان يعود سعر الرأي الى ما كان عليه قبل نحو من عام، لأن انخفاضه - وقتئذاك - لم يكن منطقياً ولا مبرراً ولم تكن الرأي في وضع صعب او خطير بل هي الآن اكثر قوة وخصوصاً وهي على وشك اطلاق شارة البدء لمشروعها الضخم الذي يتحدث عن نفسه بالارقام والمبنى العصري والآلات الأحدث والكوادر المدربة والخطة الطموحة لطباعة «الرأي» في سرعة وجودة وتوفيراً للوقت والجهد والمال، الذي تستهلكه مطبعة الرأي القديمة (عمرها عشرون عاماً) فضلاً عمّا تتوفر عليه هذه «المطابع» من قدرات إنتاجية وفنية حديثة ذات تقنية متقدمة تسمح بطباعة اكثر من صحيفة في الآن ذاته وبما يزيد على ثمانين ألف نسخة في الساعة واستعداد لتسليم أي مطبوعة في وقت قياسي، ناهيك عن الجانب المبهج الآخر وهو طباعة الكتب المدرسية بجودة لا تضاهى وبالالوان والاخراج الذي يطلبه «الزبون» والالتزام بالمدد الزمنية المحددة، دون ان تضطر الادارة للاعتذار أو البحث عن مبرر للتأخير أو عدم جودة الالوان وفرزها وغيرها من المشكلات التي تسببها «الموديلات»الأقدم من المطابع والتي ما تزال تعمل لدى هذه الجهة أو تلك..
ثمة من ينتقد ويتساءل – حدود الاستنكار – عمّا إذا كان من الحصافة الدخول في «مغامرة» كهذه والإقدام على شراء مطبعة (صحف) في وقت تتراجع فيه الصحف الورقية لصالح المواقع الالكترونية والانخراط الجماهيري المتزايد في الشبكة العنكبوتية وفضاءاتها المثيرة..
هنا يجدر بهؤلاء التوقف عند مسألتين، الاولى ان شراء هذه المطبعة كان مربحاً بكل ما للكلمة او المصطلح من معنى، فلم تدفع الرأي سوى اربعة عشر مليون دينار لمطبعة كان سعر بيعها المعلن والمعروف 22 مليوناً وجاءت الازمة الاقتصادية والمالية التي ضربت الولايات المتحدة واوروبا كي تمنح الرأي فرصة لعقد صفقة كهذه.
أما الأمر الثاني فهو ضرورة التريث في «نعي» الصحف الورقية، التي تكاد الهجمة عليها تصل حدود الاجتثاث، فيما يعلم كثيرون ان الصحف الورقية في العالم الثالث – والأردن جزء منه – غير مرشحة للاختفاء أقله لثلاثة عقود مقبلات..
فهل يعيد هؤلاء مراجعة مواقفهم المسبقة وحساباتهم الخاطئة؟
.. نأمل؟