هناك العديد من مظاهر التشابه بين المخالفة التأديبية والجريمة الجنائية، ومن أهم مظاهر هذا التشابه هو مبدأ «شرعية الجزاء» الذي يوقع على مرتكب الفعل المخالف للقانون. والمقصود بمبدأ «شرعية الجزاء» أن تكون العقوبة في كل من النظامين مقررة تشريعياً، وذلك تطبيقاً للمبدأ الذي يقضي بأن «لا عقوبة إلا بنص».
وبناءً عليه فإن السلطة التأديبية، وهي في سبيل مؤاخذة المتهم، ينبغي عليها أن تجازيه بإحدى العقوبات التي حدَّدها المشرع على سبيل الحصر، ولا يجوز لهذه السلطة، أن تُضفي على أي إجراء وصف الجزاء، ما لم يكن ذلك الإجراء موصوفاً صراحة بأنه عقوبة تأديبية بنص القانون. وهذا يعني إلزام سلطة التأديب بتوقيع أحد الجزاءات المقررة نوعاً ومقداراً ومدة. وبعكس ذلك يكون القرار التأديبي مخالفاً للقانون.
وفي هذا السياق لا مجال للتفصيل في أن الفقه والقضاء، يُجمعان على لزوم الأخذ بمبدأ شرعية الجزاء التأديبي، ولكن لا بدَّ أن نقول أن هذا المبدأ لاقى تطبيقاً واسعاً في القضاء الإداري العربي، وبخاصة القضاء المصري. ونذكر أن المحكمة الإدارية العليا المصرية قالت في حكم لها «إن القرار التأديبي الصادر بمجازاة عضو هيئة تدريس في الجامعة، بإبعاده عن أعمال التدريس والبحث العلمي، -وهو جزاء غير وارد في نظام تأديب أعضاء هيئة التدريس في الجامعة- قرار مخالف للقانون، لأنه قضى بجزاء لم يتضمنه القانون».
بسطنا فيما تقدم فلسفة نظام التأديب من حيث مبدأ «شرعية الجزاء» وما قال به الفقه وطبقه القضاء. وعلى ضوء ذلك نبسط مسألة تعليق عضوية النائب الدميسي، ونتساءل، هل أن هذه العقوبة متفقة مع القانون أم أنها مخالفة له؟
بالرجوع إلى القواعد القانونية التي تحكم العقوبات التأديبية، نجد المادة 90 من الدستور، قد تحدَّثت عن عقوبة واحدة، وهي عقوبة فصل النائب من المجلس.
وبالعودة إلى النظام الداخلي لمجلس النواب، نجد أن المواد (106 إلى 109) تتحدث عن العقوبات المسلكية التي قد توقع على النائب الذي لا يمتثل عند منعه من الكلام. وهي تتدرّج من منع النائب من الكلام بقية الجلسة، إلى إخراج النائب من قاعة الجلسة، فإذا لم ينفَّذ أمر الخروج طوعاً، يمتدُّ الحرمان تلقائياً إلى الجلسات الثلاث التالية، وقطع مخصصاته عن مدة الحرمان، وخلاف ما تقدم، لم يرد في النظام الداخلي، أية عقوبة، يمكن توقعها على النائب الذي يرتكب مخالفة تأديبية.
أمَّا وقد جاء قرار مجلس النواب، بتعليق عضوية النائب الدميسي مدة سنة مع حرمانه من المخصصات المالية، فإن ذلك يتعارض مع مبدأ شرعية الجزاء، حيث لم ترد هذه العقوبة في كل القواعد القانونية التي تحكم نظام التأديب. وهنا يقتضي القول أن قرار توقيع هذه العقوبة على النائب هو قرار مخالف للقانون.
أمَّا التبرير الذي ابتدعه مجلس النواب، لخلق هذه العقوبة، ومفاده أن «من يملك الأكثر يملك الأقل»، وبما أن المجلس يملك حق فصل أحد أعضائه –حسب المادة 90 من الدستور- فإنه يملك حق تعليق العضوية لفترة زمنية محددة. إن مثل هذا التبرير لا يصلح في هذا المقام، وإذا جاز هذا التخريج في مقام آخر، فلا يمكن القياس عليه. ولسنا بحاجة لكي نضرب أمثالاً، سواء في المسائل الجزائية أو المدنية، والتي لا يصلح فيها تطبيق هذا التخريج.
وفي هذا السياق، نذكر أن نظام التأديب من مقتضاه، أن يتم تفسير النصوص الخاصة بالجزاءات التأديبية تفسيراً ضيّقاً. وفي ذلك قضت المحكمة الإدارية العليا المصرية في حكم لها «بأنه من المسلّم به أنَّ الأحكام الخاصة بالتأديب، يتعيَّن تفسيرها تفسيراً ضيّقاً، فلا يجوز التوسع في تفسيرها أو القياس عليها».
يضاف إلى ما تقدم، تلك الحجج التي قال بها الزملاء الأفاضل، والتي تصبّ في مجملها، ببطلان القرار. ومنها أن المشرع –ومن خلال قراءة النصوص- قصد أن يبقى عدد المجلس 150 عضواً. وبالتالي ليس من حق المجلس إنقاص هذا العدد، ولمدة سنة كاملة. كذلك تثور –خلال مدة التعليق- إشكالية احتساب نصاب الجلسات، واحتساب النسب في القرارات التي يصدرها المجلس. بمعنى ما هو العدد الواجب اعتماده خلال مدة التعليق؟ وأخيراً قيل أن التعليق يحرم الناخبين الذين انتخبوا النائب الدميسي، من وجود من يمثلهم في المجلس وفي غيره من المحافل خلال مدة التعليق. وهو الأمر الذي ينافي مبدأ الديمقراطية.
في النهاية نقترح على مجلس النواب –تصويباً للوضع- تطبيق المادة 110 من النظام الداخلي، وذلك بالسماح للنائب الدميسي، بإعلان أسفه واعتذاره خطياً للمجلس، حتى يُصار إلى إلغاء قرار تعليق عضويته، إذا كان هذا التعليق يقع –من وجهة نظر المجلس- في نطاق مفهوم الحرمان الذي جاء بتلك المادة.