هزَّت حادثة إطلاق النار في أروقة مجلس النواب الوطن بأسره، لأنها كانت خارجة، بكل المعايير، عن نواميس الأردنيين، كل الأردنيين. وحسناً فعل مجلس النواب أن حسم الأمر فوراً، وبكل قوة وحزم، بما تناسب مع جسامة الحادثة.
ونحن هنا سنناقش مدى قانونية الإجراء الذي اتخذه مجلس النواب في مواجهة النائب السابق الذي ارتكب الحادثة.
وفي هذا المجال نقول إن النائب الذي يرتكب فعلاً، يخالف القواعد القانونية التي تحكم سلوك وممارسة وظيفة النِّيابة، قد يخضع إلى عقوبة تأديبية، يقوم بإيقاعها عليه مجلس النواب، ولكن قد يشكِّل الفعل، في الوقت نفسه، جريمة جزائية يعاقب عليها قانون العقوبات، وفي هذه الحالة تقوم الصلاحية للقضاء، بمحاكمة الفاعل وإيقاع العقوبة المناسبة عليه.
في شأن تنظيم محاكمة أعضاء البرلمان، من قبل القضاء، قررت المادة 86 من الدستور، حصانة برلمانية، بحيث لا يوقف العضو ولا يحاكم مدة إجماع المجلس، ما لم ترفع الحصانة عنه، أو ما لم يقبض عليه في حالة التلَبُّس. كذلك قررت المادة 153 من النظام الداخلي لمجلس النواب على أنه «إذا ارتكب نائب أو أي شخص آخر، جرماً من نوع الجناية، داخل حرم المجلس، على الرئيس أن يأمر بالقبض عليه وحجزه في مكان معيَّن، وتسليمه للسلطة القضائية فور حضور من يمثلها...».
وفي الحالة التي نحن بصددها، ثمّ القبض على النائب في حالة التلبّس، وهو ما يُسمى بالجرم المشهود (وهو الجرم الذي يُشاهد حال ارتكابه أو عند الانتهاء من ارتكابه). وقد تمَّ تسليمه إلى النيابة العامة لتأخذ العدالة مجراها.
أما بالنسبة للعقوبات المسلكية التي هي من اختصاص مجلس النواب، فقد نصت عليها المادة 107 من النظام الداخلي لمجلس النواب. ولكن ما يهمنا في هذه الحالة هي حالة انتهاء العضوية، وتتمُّ في إحدى حالتين: الأولى: سقوط العضوية حكماً بموجب القانون، والثانية: صدور قرار من المجلس بفصل العضو.
سقوط العضوية: نصت المادة 75 من الدستور أن العضو تسقط عضويته حكماً إذا فقد شرطاً من الشروط الواجب توافرها لممارسة حق الترشيح: ومنها أن يكون أردنياً، وأن لا يحمل جنسية أخرى، إلى آخر الشروط الواردة في تلك المادة.
كذلك نصت المادة 76 من الدستور على أنه لا يجوز الجمع بين عضوية البرلمان والوظائف العامة -ما عدا الوزارة- فإذا حدث وأن جمع العضو بين النيابة والوظيفة العامة، فإن عضويته تسقط حكماً بموجب القانون.
فصل العضو: وهو الفصل الناتج عن قرار مجلس النواب، وفي هذا الشأن نصت المادة 90 من الدستور على أنه «لا يجوز فصل أحد من عضوية أي من مجلسي الأعيان والنواب، إلا بقرار صادر من المجلس الذي هو منتسب إليه، ويشترط -في غير حالتي عدم الجمع والسقوط المبيّنتين في هذا الدستور- أن يصدر قرار الفصل بأكثرية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس. وإذا كان الفصل يتعلق بعضو من مجلس الأعيان، فيرفع قرار المجلس إلى الملك لإقراره».
وهذا النص لم يحدد أياً من الشروط أو الأسباب التي يجب توافرها، ليتمكّن المجلس من إصدار قرار الفصل، بل إنه منح سلطة تقديرية مطلقة لتقدير الأسباب، ولم يشترط النص إلا توافر نسبة ثلثي المجلس لإصدار قرار الفصل. ويُستثنى قرار فصل العين الذي هو بحاجة إلى إقرار الملك.
وعليه فإن قرار فصل النائب الشريف، جاء سليماً ومتطابقاً مع النصوص الدستورية ولا تشوبه، في تقديرنا، أية شائبة قانونية.
وبهذه المناسبة نقول لمجلس النواب، «رُبَّ ضارة نافعة». والمنفعة التي يجب أن يستنبطها النواب من هذه الواقعة، هي لزوم وقف «الغوغائية المفرطة»، التي سيطرت على هذا المجلس، منذ بداية عهده حتى تاريخ هذه الحادثة. ولا نذيع سراً، إذا قلنا أن جميع أطياف المجتمع، قد ملَّت سماع هذه المهاترات التي أفقدت المجلس احترامه من جهة، وأبعدته عن ممارسة وظيفته التي انتخب من أجلها من جهة أخرى. وليلاحظ النواب أن شعار «الحل» أصبح يظهر في بعض الحركات.
إننا نشدُّ على يد مجلس النواب، فيما اتخذه من إجراءات، لإعادة الهيبة والاحترام لمؤسسة النيابة، التي نحن بأمسّ الحاجة إليها -وعلى علاّتها-، في هذه الظروف العصيبة التي تجتاح الإقليم بأكمله.
كما نحث المجلس، وهو بصدد إعادة صياغة النظام الداخلي، على إيراد عقوبات مسلكية متدرجة، تبدأ بإخراج المسيء من الجلسة، إلى تعليق العضوية، وصولاً إلى الفصل من العضوية. بذلك يتسنى للمجلس، تحقيق العدالة، من خلال توقيع العقوبة المناسبة، بما يتلاءم مع كل مخالفة، وكل حالة مأخوذة على حدة.