لا يملك أي فلسطيني، ولا يحق لأي منهم، خارج فلسطين، المزايدة على فلسطينيي الوطن، الذين يدفعون ثمن البقاء والصمود على أرض وطنهم، سواء من هو مقيم في مناطق 1948، أو مناطق 1967، أو حتى العيش في قطاع غزة التي انحسر عنها الاحتلال، ولكنه ما زال جاثماً على صدر أهلها بفرض الحصار البري والجوي والبحري الظالم عليهم.
لا يملك أحد حق المزايدة على أحد، من فلسطيني بالمنفى على فلسطيني في الوطن، فلكل ظروفه وخياراته ووسائل كفاحه، المنسجمة مع معطيات الواقع المعاش وخصوصيته ومتطلباته، وإن كان يحق للفلسطيني أي فلسطيني تقديم النصيحة من موقع الشراكة والواجب أولاً ومن موقع الدعم والإسناد ثانياً لأن هذا مطلب وضرورة، تعزيزاً وتطويراً لوسائل وأدوات المواجهة ضد العدو الوطني والقومي والديني والإنساني المشترك، العدو الواحد الذي يحتل أرضنا، ويصادر حقوقنا، ويتطاول على كرامتنا.
فصائل المقاومة في قطاع غزة، بعد اجتماعها الذي ناقشت خلاله العدوان الأميركي المحتمل على سورية، توصلت فيما بينها إلى 1- تجريم أي هجوم أميركي ضد سورية، 2- عدم التورط في أي عمل يستهدف المواجهة العسكرية مع العدو الإسرائيلي حال تم الهجوم الأميركي على دمشق، وقررت الفصائل أن تنتظر حتى ترى تطورات الموقف، وبسبب هذا الاتفاق الجماعي، لم تلمح أي من الفصائل إلى نيتها شن هجمات صاروخية ضد تل أبيب كرد فعل على الفعل الأميركي نحو سورية.
فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، الملتزمة قناعة أو مرغمة باتفاق "تفاهمات القاهرة" التي توصلت من خلاله حركة حماس مع العدو الإسرائيلي يوم 21/11/2013، إلى التهدئة ووقف إطلاق النار نتيجة وساطة الرئيس محمد مرسي، تساوت مواقفها واتفقت مع أقرانها، في الضفة الفلسطينية، في تعاملها مع قرار التهدئة ووقف العمل المسلح ضد الإسرائيليين، ولذلك فالتهدئة قرار وطني، شامل كافة القوى السياسية، سواء في الضفة أو القطاع، بدون مزايدة من أحد على أحد، واستمراريته أو وقفه، سيكون قراراً وطنياً ملزماً للجميع، طالما أنهم مجتمعون، يتخذون القرار الوطني الذي يعكس رؤيتهم ومصلحتهم وتقديراتهم للواقع السائد.
ما قاله النائب يحيى موسى، عضو المجلس التشريعي من حركة حماس، وما دعا إليه، بعد تصريحات إسماعيل هنية التي دعا فيها القوى السياسية الفلسطينية الفاعلة للمشاركة في إدارة قطاع غزة، يستحق حقاً التمعن والتدقيق، في حال ما وصلت إليه حركة حماس بعد:
1- سبع سنوات من إدارتها المنفردة لقطاع غزة على اثر الانقلاب الذي قامت به في حزيران 2007، وما زال قائماً، حيث "حماس" غير قادرة على مواصلة طريق التحرير والمقاومة بسبب كلفته العالية، وغير قادرة على توفير الخدمات والتعليم والصحة والأمن والاستقرار لأهالي قطاع غزة لعدم امتلاكها القدرة والمال والإدارة والبرنامج لتنفيذ مطالب الفلسطينيين من أهالي القطاع.
2- خسارتها للحليف السوري الذي وفر لها غطاء وقوة وقاعدة محمية للعمل والتحرك، وانتقالها لمعسكر المعارضة السورية المسلحة وتورطها معها، وهو انتقال جمعها في خندق واحد مع تحالف القوى المعادية.
3- خسارتها الفادحة للشعب المصري وأحزابه وقواه الحية، عبر انحيازها لمرجعيتها الحزبية، حركة الإخوان المسلمين، وتأييدها لأفعال الإخوان ونهجهم، وتسخير إعلامها ومحطاتها التلفزيونية لمصلحة الإخوان المسلمين المصريين وخياراتهم.
النائب موسى دعا حركة حماس إلى أن "تتحول إلى حركة تحرر وطني فلسطيني، وأن لا تبقى هياكلها التنظيمية وأطرها المؤسساتية أطراً تنظيمية إخوانية، وأن تتسع هياكلها، لجميع أبناء الشعب الفلسطيني، وبذلك تحقق إشباعاً لوطنيته وعروبته وإنسانيته".
واعتمد النائب الحمساوي في استخلاصه، وإلى ما وصل إليه من دعوة، واستناداً في تشخيصه للوضع الفلسطيني القائم بقوله، "إن المأزق الذي وصلت إليه الحركة الوطنية الفلسطينية، ومن أبرز تجلياته، حال العطب والعطالة، عن إنجاز أي من الأهداف الوطنية، وهو وضع يُلقي على "حماس" – كما يقول هو – أعباء كبيرة ومتعددة أهمها بعث الثورة الفلسطينية، ومشروعها التحرري، واستنهاضهما من جديد على أسس جديدة تتلافى ما أصاب المشروع من تدمير وتفكيك بفعل التآمر الدولي والإقليمي"، وقال حرفياً، "لا يمكن لـ(حماس) أن تتمكن من إنجاز هذه المهمة العظيمة من دون أن تغير من طبيعتها ومن نهجها".
موسى، وإن كان، لا يُحمل "حماس" مسؤولية الشراكة أو الإسهام في المأزق الذي وصلت إليه الحركة الوطنية الفلسطينية، ويُحمل "التآمر الدولي والإقليمي" مسؤولية ذلك، ولكن دعوته لفصيله لأن يتحلى بسياسة جديدة، تقوم على توسيع مؤسسات الحركة وأن لا تقتصر عضويتها على الإخوان المسلمين، فهو دلالة تُضاف إلى دعوة إسماعيل هنية للفصائل الفلسطينية للمشاركة في إدارة قطاع غزة، وهما تعبير عن المأزق الداخلي الحمساوي، وعن سوء خيارات حركة حماس السياسية وتخبطها في إدارة المعركة السياسية سواء مع خصومها المحليين أو على المستوى القومي أو على مستوى مواجهة العدو.
h.faraneh@yahoo.com