اختلال مفهوم تداول السلطة ليس اختلالا حصريا بالانظمة في عالمنا العربي وإن كانت الانظمة هي المؤسس الشرعي له مع سند من القوى الدينية التي فرّغت مفهوم الديمقراطية لصالح مفهوم الشورى ونذكر جميعا كيف بقيت الاحزاب ذات المرجعية الدينية على تحالف تام مع الانظمة باستثناء تجربة جماعة الاخوان في مرحلة عبد الناصر وتحالفهم العضوي مع النُظم النفطية وانتجوا ظاهرة المال النفطي والداعية المصري .
الاختلال في عقل الانظمة حيال مفهوم تبادل السلطة وتداولها بات سمة طبيعية للنظام العربي , لكن الغريب او المستهجن هو انتقال العدوى الى تيارات المعارضة التي ظلّت تناصب الانظمة العداء لاحتكارها السلطة , في حين ان الموت وحده هو الذي نقل السلطة من الامين العام او المرشد او الرجل الاول في الحزب الى خليفته , بمعنى ان الظاهرة البيولوجية هي وحدها التي قدمت حلولا لتداول السلطة في الاحزاب على شتى تلاوينها السياسية فيما شاركت الانقلابات البيولوجية في تغيير الرجل الاول في الانظمة .
غياب الاحزاب اليسارية والقومية بعد الانتقال الديمقراطي في الاردن وانكسار النظام القومي في العراق بدعم لوجستي من سوريا ومصر اللتين وقفتا في خندق حفر الباطن , نقل السيادة في مواجهة الانظمة الى الاحزاب الدينية وجماعة الاخوان حصريا وجاءت معاهدات السلام لتؤكد هذا الانتقال وتمنحه الشرعية الشعبية والمشروعية الشارعية , فكل نشاط غابت عنه الجماعة كان باهتا ومحدودا وكل مشاركة كانت تمنح الجماعة دفعة جديدة الى ان جاء الربيع العربي فحصدت الجماعة ثمار نشاطها وثمار غياب الاخرين وعجزهم وتفتتهم .
من هنا يأتي التركيز على مناقشة وقراءة خطوات الجماعة وليس من باب التصيد او المناكفة , فلا احد يناقش الضعيف في السياسة فالضعيف يقبل الإملاء لا أكثر , على عكس الجماعة الإخوانية التي انتشرت وتمددت افقيا وعموديا مثلها مثل الحكومات فصارت هي كذلك تحت البصر والنقد والقصف , والثنائية القائمة حاليا في الوطن العربي على مختلف اقطاره ثنائية مفهومة وواضحة , حتى ان مال ميزان القوى لصالح الانظمة وتراجعت الجماعة الاخوانية فلا يوجد مستفيد من ضعف الجماعة وانحسار شعبيتها إلا الأغلبية الصامتة التي لا تحتاج الى مزيد من الصامتين او الراغبين بالصمت لعدم وجود تعبير سياسي مقنع ويخدم مصالحهم ويحقق طموحهم .
الربيع العربي فرض على الانظمة سلوكا جديدا في السلطة فتراخت القبضة الامنية وبدأت تميل لصالح الاستقرار والامن وليس لصالح خدمة رأس السلطة نسبيا , فيما بات الحرج زائدا إزاء تزوير ارادة الناس وباتت كلفة التزوير عالية على اي نظام عربي وحتى شكل المرشحين للاحزاب الحاكمة او الترشيحات للمناصب السياسية باتت محكومة بالرشاد اكثر مما سبق وبعيدة عن جرم الفساد الوقح وباتت تحاول استقطاب رضى الاغلبية الصامتة والاحزاب المعارضة .
في حين بقيت عقلية المعارضة على حالها , فلا هي سمحت للديمقراطية التي تنادي بها ليل النهار الدخول الى غرفها المعتمة ولا سمحت لجيل شاب بالوصول بأمانة ويُسر الى المنافسة على المراكز القيادية , فظل القديم على قدمه مما زاد من احباط الاغلبية الصامتة وجعلها تميل لصالح النظام القائم وتؤخر خطوتها حيال التغيير والاصلاح الذي اندفعت اليه في بدايات الربيع العربي , ومن منطلق الوجود والقوة ومحدودية تأثير الضعيف , فإن الجماعة الاخوانية معنية بفتح الباب للجيل الشاب للوصول الى قيادتها بعد ان خسرت جولة مصر وعلى وشك خسارة جولتي تونس والمغرب وفي العلم الديمقراطي فإن الخاسر ينسحب من القيادة لصالح جيل شاب او قائد اخر للحزب ورأينا ذلك غي كل الدول الديمقراطية التي نسعى الى محاكاة تجربتها .
التأثير المتوقع من انسحاب امين عام حزب صغير وضعيف لن يحقق الهدف لذا وجب على الجماعة ان تبدأ بنفسها وتدخل في انتخابات لفتح المجال لقيادات شابة فادرة على التعامل مع الظرف الجديد وادواته الاكثر جدّة من الانترنت الى صفحات التواصل الاجتماعي الى انحسار مفهوم السوبرمان القادر على تفسير الكون .
قبل ان يبدأ النقد اود التنويه الى ان حزب جبهة العمل الاسلامي هو الحزب الوحيد الذي يمنع اعادة الترشح للامين العام بعد دورتين ولكنه بالمقابل لا يحق لأي عضو ان يترشح الا من تأذن له الجماعة بذلك وبالتالي لا يمكن القياس على التجربة المحكومة اصلا بقرار الجماعة وليس بأصوات الحزبيين داخل الحزب .
omarkallab@yahoo.com