اخبار البلد
في بعض البلدان العربية تتم شيطنة الفلسطيني،وهو جمل المحامل الذي يتم تحميله اوساخ العرب القومية،وتوظيف مصيبته في صراعات كثيرة،وكأن الفلسطيني تنقصه هذه الشيطنة فوق مافيه من مآس موروثة.
مناسبة الكلام مانسمعه هذه الايام في مصر، اذ يتسابق الاعلاميون على شتم الفلسطينيين،وكل يومين يقال ان الامن المصري القى القبض على فلسطيني في رابعة العدوية،او فلسطيني في مئذنة يطلق النار على الامن،او فلسطيني اطلق صاروخاً على الجيش في سيناء،والبطولة الفذة في اكتشاف الفلسطينيين،لم نر مثلها في اكتشاف شبكات الموساد الذي ُيعشش في ارض الكنانة.
لاتعرف لماذا يفترض هؤلاء ان ُيصدّق الاخرون هذه الروايات الكاذبة،فمال الفلسطيني وهذه الاحداث الدموية في بلد مثل مصر؟!.
في سورية يدفع الفلسطيني الثمن،فإذا وقف على الحياد في الازمة،عاتبه النظام،باعتبار ان ضيافته لم تثمر ولم يقف مع النظام ضد ميليشيات الثورة،ولو وقف مع النظام توعّده اشاوس الثورة باعتباره يحارب السوريين،واذا وقف مع الميليشيات منوعة الولاءات،توعّده النظام بعقاب مؤجل،لانه تجاوز اصول الضيافة.
في عراق صدام حسين،حازالفلسطينيون دلالا،باعتبارهم لاجئين سنة،وعندما انهار النظام،قامت ميليشيات عراقية بالانتقام من الفلسطينيين وطردهم،باعتبارهم صداميين،وتشردوا مجدداً،ولم تقبلهم اي دولة،حتى وصلوا الى الارجنتين،فهم الشياطين الواجب تطهير ارض العراق المقدسة من دنسهم،حتى يتفرد بها الملائكة تسبيحاً وتهليلا وسلاماً.
فلسطينيو سورية والعراق تشرّدوا مرتين،مرة بسبب الاحتلال،ومرة بسبب المراجل القومية،والدورالمقبل على فلسطيني مصر.
فلسطينيو العراق،في عهد صدام حسين تم اتهامهم بالمشاركة في احتلال الكويت،ولعنهم الكويتيون،ومن اجل خمسمائة مقاتل بعثي من جبهة التحريرالعربية،تمت معاقبة نصف مليون فلسطيني بطردهم من الكويت،باعتبارهم شياطين،لابد من عزلهم في جهنم الحمراء،وباعتبارهم اساس البلاء،والمعروف-كالعادة-لا ُيثمر فيهم.
الاجهزة الامنية العربية حين تريد ارتكاب جريمة،تبحث عن قاتل فلسطيني،تستأجره عبر تنظيم ما،في سياق شيطنة الفلسطيني،ونجد ان عمليات أمنية كثيرة من اغتيالات وتفجيرات يتم تحميلها لفلسطينيين تم اختيارهم بشكل مسبق ومحدد من اجل شيطنة الفلسطيني،وتحويله الى الشيطان الرجيم والمرجوم في العالم العربي.
وكأني بالعرب لو استيقظوا يوماً،وسمعوا ان الفلسطينيين في العالم انتحروا بشكل جماعي،او تم عزلهم في مجاهل افريقيا،كأني بهم يتوقعون ان ديارهم ستتفجر بها انهار الخمر والعسل،وعلى ضفافها الحور العين،وسيحل فيها السلام والامن،وستصير ديارهم ديار تقوى،لااثم فيها ولاعدوان،ولاكبائر او صغائر.
لايمكن هنا ان ندعي ان الشخصية الفلسطينية مكتملة وملائكية،اذ فيها من العلل المؤسفة والاخطاء غير المقبولة،الكثير،جراء التشوهات التي فرضتها النكبات على الشخصية الفلسطينية،غير انها تشوهات لاتختلف عن تشوهات الشخصية العربية التقليدية،وليست حالة فريدة،ولاجذاماً يتفرد به الفلسطينيون دون غيرهم.
ماتسمعه من اعلام السيسي ضد الفلسطينيين،مرجلة كاذبة،لان الفلسطيني ليس من مصلحته التدخل في اي شأن عربي،لكنهم لايتركونه في حاله،فقد تعب الفلسطيني من تشويه سمعته وبث الشكوك والمخاوف في وجهه في كل مكان،باعتباره مريضا بعقدة ضياع بلده،ويريد تخريب دول الاخرين،انتقاماً من اوطانهم الرغيدة.
حياد الفلسطيني مكلف،وكثيراً ماسمعنا لوماً على حياد الفلسطينيين،وهذه مفارقة،لانهم وقتما يريدون الفلسطيني عربياً شريكاً في آفات العرب ومحنهم فلابد ان يكون،ووقتما يريدونه غريباً عليه ان يخرس،فإن عليه الصدع لما يريدون.
لسنا من انصار «مظلومية الفلسطيني» حتى لاتتحول الى تجارة،لكننا لانقبل ايضاً شيطنة الفلسطيني،ورسمه بصورة الشيطان في الدول الغارقة في امراضها،فتبحث عن شيطان لتحميلة مسؤولية افساد الجنة على الطاهرين المطهرين الانقياء الاتقياء النجباء.
انتحار الفلسطينيين بشكل جماعي،لن يورث جنة عدن في العالم العربي،بل سيكشف ان العرب هم العرب،ولحظتها سيبحثون عن شماعة جديدة،لتحميلها مسؤولية هذا التعري القومي الفاضح على كل المستويات.
استضعاف الفلسطيني عربياً،سره نفسي،اذ يراد للفلسطيني ان يبقى الكسير الذي يتصدّق عليه الاخوة والجيران،وهذا يفسر ان بعض العرب لايحتملون رؤية الفلسطيني مرفوع الرأس،او معتداً بنفسه،اذ كيف يتجرأ اليتيم على اطالة عنقه امام سادة القبيلة؟!
الشخصية الفلسطينية مليئة بالعلل،ولااحد ينكر ذلك،غير انها تبقى حالات فردية،لايجوز تعميمها على شعب بأكمله،وهي ايضاً تستسقي عيوبها من ذات بحر العلل الذي يشرب منه بقية العرب،وهما هنا من اصل طيني مالح واحد،حتى نفهم ان العلة قومية جامعة.