يبدو للوهلة الأولى أن قرار البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة على أدوات السياسة النقدية كافة بواقع 25 نقطة أساس، أمر إيجابي وهو ما برره البنك بأنه جاء انطلاقاً من الحرص على زيادة حجم الإقراض للقطاع الخاص، وتشجيع الاستثمار بهدف تعزيز النمو الاقتصادي.
لكن عند استعراض المؤشرات الاقتصادية ككل والوضع العام؛ يتبين أن للقرار تبعات سلبية متوقعة وعلى المديين القريب والبعيد، مع عدم وجود البيئة المناسبة التي يمكن أن يؤثر فيها القرار وصولا لتحريك عجلة النمو.
معدلات التضخم ارتفعت من 4 و4.5 في المئة خلال الشهور القليلة الماضية بعد تحرير أسعار المشتقات النفطية إلى 6و7 في المئة، وسط توقعات بأن تلامس حاجز 10 في المئة بعد تعديل التعرفة الكهربائية، ما يزيد من مخاطر تلك المعدلات على الطبقتين الفقيرة والمتوسطة.
الشركات المحلية وحتى العاملة في البلاد تعثرت لدرجة تسريح موظفين، وهي تعاني منذ أكثر من خمسة أعوام من سياسة انكماش، اتبعها المركزي، ولديها مشاكل بسبب عدم القدرة على سداد ديون سابقة وتراكم فوائد، وحصولها على تسهيلات جديدة لن يكون إلا سدادا لتلك الفوائد والديون.
قطاعات حيوية مثل السياحة والصناعة باتت متأثرة بالأوضاع في المنطقة، وتلقت أكثر من ضربة بسبب الاضطرابات وإغلاقات الحدود، في المقابل ما زال قطاع الزراعة يعاني من تخبط في الاستراتيجية الأساسية المعتمدة، فتارة تزرع محاصيل غير مناسبة، وتارة يمنع التصدير أو يسمح باستيراد أصناف وبشكل مفاجئ ما أربك القطاع.
البنوك المحلية لن تكون مهيئة لتقديم تسهيلات بشكل فوري، ولن تستجيب لقرارات المركزي لأكثر من سبب وأهمها؛ أنها تمنح الحكومة تسهيلات على شكل سندات وأذونات خزينة مقابل عوائد مجزية، أما السبب الآخر فأنها لاتستطيع المجازفة في هذه الأوضاع غير المستقرة وعدم القدرة على التنبؤ بما يحدث قريبا في الإقليم.
القدرة الشرائية لشريحة كبرى من الناس تراجعت لدرجة عدم القدرة على توفير المستلزمات اليومية، وبفعل العوائد والرواتب وحتى تحويلات العاملين في الخارج، فكيف سيقدم هؤلاء على قروض شخصية أم تجارية.
قطاع العقار رغم شح المعروض ما زال يعاني من تراجع في الإقبال وللأسباب السابقة؛ إذ يجد المقاولون أنفسهم أمام خيارين: إما العمل على مشاريع محدودة تباع في زمن محدود، أو الإفلاس بسبب ارتفاع الكلف وهبوط الطلب.
مقدار الخفض البالغ 0.25 نقطة لن يستطيع أن يحرك تعاملات الأسهم أو يدعم الأسعار، فما تعرضت له البورصة خلال السنوات القليلة الماضية يحتاج لأكثر من 2 في المئة كتخفيض، أو أكثر من ذلك لتظهر نتائجه مباشرة في حجم السيولة المتداولة في السوق.
خفض سعر الفائدة يمكن أن يكون له وجه ايجابي واحد فقط، وهو أن تعيد البنوك جدولة الديون للأفراد أو الشركات لتضمن تحصيل أموالها وضمن فوائد تراكمية، أما بالنسبة لما غير ذلك فهي بدعة وكذبة كبرى لن يبتلعها لا رجال أعمال ولا أفراد.