رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مقتنع، استناداً إلى قريبين منه، بأن الإدارة الأميركية شعرت بأنها خسرت فرصة في لبنان باستقالته قبل أشهر. فبالنسبة الى الثورة السورية التي تحولت حرباً أهلية، اعتمد سياسة النأي بالنفس عنها حكومياً. وكان ذلك مفيداً للإدارة المشار إليها رغم معرفتها أن النأي المذكور لم يترجَم عملياً شعبياً وسياسياً إذ، من جهة، تبنّى اللبنانيون المعادون للرئيس بشار الأسد ونظامه الثورة عليهما، ودعموها بمواقفهم السياسية، وبتأمين الأموال المرسلة إليها من مؤيديها المحليين والإقليميين، وبتهريب المقاتلين إلى سوريا لنصرتها، وبإيواء اللاجئين السوريين وخصوصاً الذين منهم شاركوا في القتال واضطروا الى التواري أو الى التداوي جراء جروحهم. ومن جهة أخرى، تبنّى اللبنانيون المؤيدون للأسد ونظامه سياسة الانخراط النظامي السياسي والعسكري والمالي في الدفاع عنهما. وبالنسبة إلى "المحكمة الخاصة بلبنان (المحكمة الدولية) نجح ميقاتي في تأمين دفع لبنان نصيبه من نفقاتها على مدى سنتين رغم ممانعة "حزب الله" و8 آذار. وكان ذلك إنجازاً لا يقلِّل من قيمته أن "الحزب" فعل كل ما يستطيع كي يبدو الدفع المذكور خاصاً، غير "طالع" من خزينة الدولة وغير حاصل على موافقة الحكومة التي سُمّيت يوم تأليفها "حكومته".
إنطلاقاً من ذلك، يقول القريبون من ميقاتي أنفسهم، أنه نجح في إقامة تقاطع بين أميركا و"حزب الله" كما قام بمحاولة جديدة للحؤول دون تحوّل العملية الإرهابية في بورغاس البلغارية قبل أكثر من سنة إدراجاً لـ"حزب الله" على لائحة إرهاب الاتحاد الأوروبي. علماً أن نجاحه في الأمرين كان محدوداً. إلا أن هذا التقاطع الذي ربما يكون أسّس للنظرية التي انتشرت لاحقاً عن وجود جناحين لـ"الحزب" واحد عسكري وآخر سياسي بمحاولة ميقاتي إقناع واشنطن بأن الوزير محمد فنيش ليس عسكرياً ولا عضواً في الجناح العسكري. إلا أن هذا التقاطع انهار بعدما "شكّت" المملكة العربية السعودية عليه وفرطته.
ويبدو أيضاً أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بدأ يميل الى الاعتقاد، واستناداً الى ما يصله من معلومات كثيرة من "اصدقائه ومستشارين" يعرفون واشنطن، أن جهات اميركية عدة، بعضها رسمي وبعضها الآخر غير رسمي، بدأت تعتبر ان الخيار في أميركا صار الآن، أي بعد سنتين وبضعة أشهر من اندلاع الثورة – الحرب الأهلية، بين الرئيس بشار الاسد والإرهاب الإسلامي الأصولي السنّي المتشدد والتكفيري. واعتقاد من هذا النوع يدفع صاحبه الى الظن ان أميركا في النهاية ستميل إلى ترجيح كفة الأول لأن حربها مع الثاني قديمة وعتيقة ومستمرة بسبب خطره عليها بل على العالم. علماً، يلفت القريبون إياهم، أن الاعتقاد المشار اليه لم يتحول اقتناعاً على الأقل حتى الآن.
ويبدو أخيراً، استناداً إلى هؤلاء، ان الرئيس ميقاتي مقتنع بأن الوضع اللبناني الراهن سيّئ وبأنه "غداً" أي في مرحلة لاحقة سيصبح أسوأ.
ما مدى صحة الاقتناعين والاعتقاد المفصلين أعلاه؟
الاقتناع الأول صحيح، يجيب مصدر نيابي مهم. لكنه لن يغيّر الواقع الحكومي الحالي التعِس جداً، رغم ان ميقاتي يراهن على أن تعاسته ستعيده على رأس حكومة جديدة بعد اعتذار الرئيس المكلف تمام سلام.
والاعتقاد لا يبدو صحيحاً، في رأي المصدر نفسه. إذ في أثناء استقبال رئيس مجلس النواب نبيه بري نائب وزير الخارجية الأميركية وليم بيرنز دعاه الى اعتماد الحل الذي انهى حرب لبنان لإنهاء حرب سوريا. وهو حل وضعه مجلس نواب غير مكتمل العدد ومُمدَّد له مرات، لكن كان هناك مشاركون فيه من تحت الطاولة وعرابون له مثل: أميركا وأوروبا. وفي الحال السورية يمكن أن يتأمن هؤلاء من أميركا وروسيا وإيران وتركيا والسعودية. "لكن ماذا عن بشار؟ الحل يجب أن لا يشمله" قال بيرنز. فكان الجواب: "المطلوب إصلاحات وديموقراطية. وفي الانتخابات عام 2014 يسقط بشار أو يفوز. علماً أنّ توقّع تصويت فريق يشكل "الغالبية" في سوريا له قد يكون مستبعداً". طبعاً دار حديث بعد ذلك، أشار فيه بري الى احتمال تقسيم سوريا. وتوسع في الشرح، ولم يسمع من بيرنز لا نفياً ولا تأكيداً. أما الاقتناع الثاني اي تحوّل الوضع الداخلي السيىء أسوأ فيشمل غالبية الجهات اللبنانية على تناقضها.