سواء إختلفنا أو إتفقنا مع السياسة الإيرانية ، نحو هذا العنوان أو ذاك ، مع هذه المصلحة أو تلك ، فقد أرسى الأمام الخميني تقاليد يوم القدس للتذكير والتوقف ومحاولة حمايتها والعمل على تحريرها ، إن لم يكن فعلياً فعلى الأقل نظرياً ، إستذكاراً وتوقفاً وإهتماماً ، وهو إستذكار يفتقده غالبية العرب وقطاع واسع من المسلمين والمسيحيين ، ودفع رئيس حزب الله اللبناني حسن نصر الله لأن يخرج إلى العلن ويقول : نحن مع فلسطين ومع شعب فلسطين وقضية فلسطين وفي القلب منها القدس .
دينياً ، كانت القدس ولا زالت موطن القدسية للديانات الثلاثة ، ولولا أنها كذلك لما أسرى سيدنا محمد من مكة إلى القدس ، ولما عرج عليه السلام من القدس إلى السماء ، وليس من مكة مباشرة ، إنها دلالة ورمزية ورسالة ، يجب أن يفهمها من يحاول تهويدها وأسرلتها وصهينتها بالقوة الغاشمة ، على حساب المسلمين والمسيحيين ، مستغلاً الظروف السياسية السائدة في منطقتنا العربية وفي العالم ، لفرض رؤيته ومصلحته الأحادية وبرنامجه .
عربياً كانت القدس عاصمة وحضوراً وتاريخاً وإشعاعاً إلى جانب القاهرة ودمشق وبغداد والمدينة المنورة ، وطمسها وتغيير معالمها ، إفتئات على التاريخ وعلى الواقع وصياغة مستقبلها بلون واحد تعسفي يستفز العرب ويشكل حوافز لهم رفضاً للتعايش والسلام وحسن الجوار ، مع مشروع إستعماري توسعي ، يقوم على الظلم والكراهية وإلغاء التاريخ وصناعة وقائع طارئة مستبدة ستكون على جدول إهتمامات العرب رفضهم لها والعمل على تغيير ما يستجد عليها ، على قاعدة تصويب الطاريء ، وعدم الرضوخ للواقع الذي يقوم على الأستبداد والألغاء ونفي الأخر وإستئصاله ، وهكذا يتم تداول الصراع والعنف والموت والخراب بدلاً من الحياة وإستمراريتها .
وفلسطينياً ، قدم الفلسطينيون المرة تلو الأخرى مبادرات جوهرية وتضحيات جسيمة على أمل التوصل إلى حلول واقعية ، قد تكون غير عادلة لهم ، وغير منصفة بحقهم ، بقبولهم تعديل الميثاق الوطني ، ودولة في حدود خطوط الهدنة كما كانت في حزيران 1967 ، وتقاسم القدس بين الشعبين غربية وشرقية ، وبناء علاقات ندية متكافئة تقوم على الأمن المتبادل والتعاون وحسن الجوار ، ولكن السياسة الإسرائيلية وليدة معطيات ونتائج صناديق الأقتراع ، لم تتجاوب مع كافة المبادرات الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية ، وأغلقوا أي منفذ للتسوية وصولاً إلى السلام ، وبددوا أي أمل في التعايش المشترك .
الحشد الذي ضمه شعب فلسطين يوم الجمعة الأخيرة من رمضان لتأدية الصلاة في المسجد الأقصى ، هو التعبير عن تمسك الفلسطينيين بقدسهم ووطنهم الذي لا وطن لهم سواه ، فهل يفهم الرسالة من يحتلها ويعبث بمكوناتها ويعمل على تغيير معالمها تعسفا ؟؟ هل يفهم نتنياهو رسالة المسلمين ودعوات المسيحيين ، بدعمه لمجموعات يهودية متطرفة تستهدف المس بالأقصى والصخرة والمحرمات حولهما ؟؟ .
الإسرائيليون يلعبون بالنار بشأن فلسطين ، وخاصة في القدس ، وبالنقب كما في الغور ، وفي الجليل ومدن الساحل كما يفعلون في الضفة ، فالأنسان واحد والظلم دوافعه وأدواته وعنوانه واحد : إسرائيل وسياستها ومشروعها الإستعماري التوسعي ، وهم لا يقرأون التاريخ ولا يفهمون دروسه ، فكم من الأمم سادت بالقوة وتلاشت بسب الفساد والبطش والطغيان ، وإسرائيل طاغية ولن تبقى كذلك .
h.faraneh@yahoo.com