من عمان أعلن جون كيري، يوم 19 تموز التوصل إلى اتفاق تمهيدي بين طرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يشكل أرضية بدء ماراثون المفاوضات بينهما برعاية أميركية، في واشنطن، والخبر لم يعد جاذباً للشعبين، مثلما لم يعد مهماً للقيادتين وللمراقبين، ولا يراهن عليه، من قبل الطرفين!.
نتنياهو وأبو مازن، لا يحبذان التجميد، لأن الجمود يسبب لهما صداع الاستحقاقات البديلة، والاستحقاقات البديلة أكثر وجعاً وتحدياً، وقد تؤدي إلى خسائر لا يملكان رصيداً لدفع أثمانها، ولهذا فأهون الشرين، القبول بالجلوس على طاولة المفاوضات، أمام الآخر، حتى ولو كانت بدون أرباح، ولكن على الأقل بدون خسائر، وهذا لا يعني أنهما لن يدفعا ثمن الصورة، نتنياهو سيدفع الثمن بالإفراج عن أسرى فلسطينيين اتهموا بقتل إسرائيليين خلال عمليات المقاومة، وأبو مازن سيدفع الثمن بكسر قراره المطالب بإجراء المفاوضات مع وقف الاستيطان، ولذلك ستجري المفاوضات عينك عينك مع تهويد القدس وإجراء عمليات جراحية جوهرية لها تستهدف تغيير معالمها العربية الإسلامية المسيحية، لتكون يهودية إسرائيلية صهيونية صالحة كعاصمة موحدة للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي.
لا أحد يملك الفرار أو التنصل من المسؤولية، لا عضوا اللجنة المركزية اللذان صوتا ضد المفاوضات، ولا أعضاء اللجنة التنفيذية 15 كذلك، فالكل رجله في الفلقة، والحزبيون منهم قادة الفصائل ينتظرون قرار الصرف من الصندوق القومي، والمستقلون لا يستغنون عن رواتبهم، مثلهم مثل الجنود والموظفين وحركة السوق في الشارع، ولذلك أَضفتُ عامل الاقتصاد كعدو جديد ضد إرادة الشعب الفلسطيني إلى جانب عاملي الاحتلال والانقلاب، ثلاثة عوامل مدمرة لواقع الشعب العربي الفلسطيني وتطلعاته في الاستقلال لأبناء مناطق الاحتلال الثاني العام 1967، وهذا ينعكس سلباً، على حق المساواة الذي يتطلع إليه أبناء مناطق الاحتلال الأولى العام 1948، وأكثر سلبية وسوءاً على الفلسطينيين المشردين خارج وطنهم، الذين ينتظرون تنفيذ حق العودة واستعادة ممتلكاتهم في اللد ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع، والتعويض لهم وفق القرار الدولي 194 على معاناتهم ونفيهم خارج وطنهم.
لقد صمد المفاوض الفلسطيني في محطات «كامب ديفيد» 2000، وأنابوليس 2007، وتكيف مع كل أشكال التفاوض: 1 ـ المفاوضات المباشرة متعددة الأوقات والمحطات، 2 - محادثات التقريب 9/5/2010، 3 - المباحثات الاستكشافية في عمان 4-6 كانون الثاني 2012، وكانت حصيلتها ما قاله الرئيس أوباما نفسه إلى مجلة «تايم» الأميركية في 22/1/2010، «إنها مشكلة، كلما سعيت لحلها، تزداد صعوبة»، ولخص صائب عريقات الذي يظهر دائماً على أنه «دارس درسه» و»حافظ التزاماته» الموقف الفلسطيني بعد رحلات مضنية قد يكون فيها وخلالها، قد سجل أرقاماً قياسية في التنقل وركوب الطائرات، لوكالة الصحافة الفرنسية يوم 11/11/2009، بقوله، «إن لحظة الحقيقة قد جاءت، وعلينا مصارحة الشعب الفلسطيني، إننا لم نستطع تحقيق حل الدولتين، من خلال المفاوضات التي استمرت ثمانية عشر عاماً».
ومع ذلك لم ييأس أوباما لأن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كما قال، «مصلحة أميركية»، وكلف وزير خارجيته جون كيري، بعد فشل مستشاره جورج ميتشيل واستقالته ورحيله، لأن الحياة لا تقبل السكون ولا تستسيغ التوقف، وصائب عريقات يدرك أن إغلاق الطريق أمام إحدى أدوات الحل، المفاوضات، يعني فسح المجال لأدوات أخرى أكثر جدوى، ربما، وأن التراجع عن خيار حل الدولتين، يعني بروز الحل الأصعب وهو الدولة الواحدة الديمقراطية ثنائية القومية، متعددة الديانات، وكلاهما حل الدولة الواحدة، أو حل الدولتين، يتطلب أدوات كفاحية وخيارات ثورية، غير متوافرة الآن لا لدى لجنة «فتح» المركزية ولا لدى مكتب «حماس» السياسي، ولا لدى الأمناء العامين للفصائل الأخرى.
الوضع كله، بدون مزايدات من البعض على البعض الآخر، يحتاج لوقفة مراجعة ولحظة تأمل، سواء في ظل المفاوضات، أو في غيابها، فالوطن تتم سرقته وتهويده وتتآكل جغرافيته، سواء في ظل المفاوضات أو بدونها.
h.faraneh@yahoo.com