لدورة الرابعة على التوالي ، ومنذ عام 2009 ، إنعقد اللقاء اليساري العربي في العاصمة اللبنانية بيروت ، يومي السابع والثامن من حزيران ، بمشاركة أربعة أحزاب وفصائل فلسطينية هي : حزب الشعب الفلسطيني ، الحزب الشيوعي الفلسطيني ، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، من ضمن 24 حزباً من إحدى عشر دولة عربية ، ناقشوا خلالها الأوضاع التي تعيشها المنطقة العربية ، في ظل الأحتجاجات الجماهيرية المتصاعدة ضد ثلاثة أطراف :
أولها : ضد التدخلالت الأجنبية والأحتلالات العسكرية ، لأكثر من بلد عربي .
وثانيها : ضد أنظمة غير ديمقراطية ، أنظمة اللون الواحد والعائلة والطائفة والقائد الملهم ، الرافضة لقيم الحداثة والدمقرطة والتعددية والأحتكام إلى صناديق الأقتراع .
وثالثها : ضد قوى الثورة المضادة على إختلاف تلاوينها وتحديداً ضد قوى ظلامية رجعية أصولية سعت عبر تفاهماتها مع الأميركيين والأوروبيين ، وإعتماداً على تحالفاتها السابقة في مرحلة الحرب الباردة ، للإنقضاض على إنجازات ثورة الربيع العربي ، وحرفها عن مسارها الديمقراطي التعددي وفرض قيم اللون الواحد و " أخونة " أنظمتها والمؤسسات السيادية فيها ، كما عملت وتحاول أن تفعل ذلك في قطاع غزة ومصر وتونس والمغرب ، وكما تسعى لفرض أجندتها " الأخوانية " على حراكات الشارع وقوى المعارضة في كل من سوريا والأردن والكويت واليمن وغيرها من البلدان العربية ، بحيث ينطبق المثل العامي على شعوبنا العربية التي " هربت من تحت الدلف فوقعت تحت المزراب " .
ومقابل ذلك ، وفي مواجهة الطرفين المحليين وهما أولاً : القوى المحافظة ، قوى الشد العكسي الرجعية ، وثانياً : قوى الثورة المضادة الأصولية ، أكدت أحزاب اللقاء اليساري العربي الرابع على أهمية النضال من أجل العمل والدفاع عن الدولة المدنية الديمقراطية الحداثية وحقوق المواطنة القائمة على التعددية الفكرية والقومية والدينية والطائفية وضد اللون الواحد ، والمحاصصة الطائفية ، والقومية الواحدة .
وقد خلص المجتمعون إلى ما يلي :
1- أكّد المجتمعون أن مواجهة المؤامرة الامبريالية – الصهيونية ، المستندة إلى دعم الرجعية العربية وبعض القوى الإقليمية ، والهادفة إلى ضرب وحدة سوريا ، وإعادة رسم خريطة المنطقة بما يخدم مصالحها ، عبر استخدام سلاحيّ الحرب الأهلية المذهبية والتدخّل الخارجي ، لا يمكن أن تتم عبر اللجوء إلى الحلول العسكرية والأمنية ، وكذلك ليس من خلال تدويل الحل ، بل من خلال السعي إلى إيجاد حل داخلي يوقف النزيف ، ويعمل على تجميع كل القوى الديمقراطية التي رفعت منذ بداية الأزمة ، شعارات النضال ضد التدخل الأجنبي ومنع التفتيت المذهبي ، ووقف السياسات الاقتصادية النيوليبرالية ، عبر وضع أسس التغيير الديمقراطي على كل المستويات.
2- أعاد المجتمعون تأكيد موقفهم الثابت من القضية الفلسطينية ، التي يعتبرونها القضية المحورية والمركزية في نضالهم ، ورأوا في المشروع الرجعي العربي حول " مبادلة الأراضي ” مرحلة جديدة من المؤامرة الهادفة ، منذ اتفاقية أوسلو، إلى تكريس الكيان الصهيوني " دولة لليهود في العالم ”. وإذ رحبوا بقبول دولة فلسطين عضواً مراقباً في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، أعادوا تأكيد موقفهم الداعم لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وفي العودة وإقامة دولته الوطنية كاملة السيادة وعاصمتها القدس ، وإطلاق حركة مقاومة فلسطينية وعربية شاملة ، وبمختلف الأشكال ، من أجل تحريرها من الاحتلال . ووجّهوا تحية خاصة إلى الحركة الأسيرة الفلسطينية والعربية في سجون الاحتلال ، والى أبطال " الأمعاء الخاوية ” ، معاهدين على متابعة التحرك من أجل تحريرهم .
3- أعلن المجتمعون تضامنهم الكامل مع القوى اليسارية والشعبية في لبنان ، التي تواجه اليوم مخاطر كثيرة من جرّاء ارتدادات الأزمة السورية وعودة الانقسامات المذهبية التي تهدد مجدداً بفتنة كبيرة يُعد العدو الإسرائيلي الِعدّة للاستفادة منها . ورأوا في دعوة تلك القوى إلى تحصين السلم الأهلي والخروج من سياسة " النأي بالنفس ” ، التي انتهجتها الحكومة دون أن تعمد إلى إعطاء الغطاء السياسي الضروري للجيش أو أن تمنع تدخل بعض القوى اللبنانية في الحرب الدائرة في سوريا ، مدخلاً إلى منع انزلاق اللبنانيين في أتون الحرب الأهلية .
4- أعلن المجتمعون عن تضامنهم مع القوى اليسارية والديمقراطية في العراق ، الساعية إلى انهاء نظام المحاصصة الطائفية والاثنية . وادانوا الارهاب والتدخلات الخارجية التي تغذي محاولات تقسيم البلاد ، ودعوا الى استكمال السيادة الوطنية عبر اقامة الدولة المدنية الديمقراطية .
5- حيّا المجتمعون شهداء جميع الثورات والانتفاضات العربية ، وفي مقدّمتهم الشهيد شكري بلعيد ، وثمنوا المساعي الرامية الى توحيد القوى التقدمية التونسية، السياسية والمدنية ، في جبهة ديمقراطية واسعة ، تصدّياً لمخاطر العنف والارهاب وتحقيقاً للأهداف التي قامت من أجلها ثورة الكرامة والحرية في تونس .
6- أكد المجتمعون تضامنهم مع ثورة شعب مصر ودعمهم الكامل للجماهير المصرية المواجهة لسياسات " الأخونة ” ، ودعوا كل القوى العربية التحررية إلى تنظيم تحركات تضامنية يوم 30 حزيران/ يونيو الذي دعت إليه الأحزاب والقوى السياسية الديمقراطية والحركات الاحتجاجية وحركة "تمرد” في مصر تحت شعار " إسقاط حكم الإخوان ” واستعادة الثورة .
7- حيّا المجتمعون كذلك الحركات الشعبية في الخليج العربي ، وبالتحديد في البحرين والكويت واليمن والسعودية ، وأكّدوا على تضامنهم الثابت معها في وجه الممارسات القمعية السلطوية ، والاعتقالات التعسّفية، والتدخل الخارجي بكافّة أشكاله ، وعلى دعمهم للبرامج التي تطرحها هذه الحركات من أجل الخلاص من التخلّف والتبعية .
كما أكد المجتمعون على دعمهم لنضال القوى الديمقراطية والسياسية في الحراك الشعبي الأردني من أجل إحداث تغيير سياسي ، واستكمال الإصلاحات السياسية الشاملة ، والحيلولة دون زج الأردن في محاور إقليمية معادية للشعوب العربية .
8- شدد المجتمعون على تضامنهم الثابت مع نضال شعب السودان وقواه الديمقراطية من أجل الخلاص من أوضاع الانقسام والشرذمة والقمع التي تمارسها السلطات السودانية . كما تضامنوا مع نضال القوى اليسارية في الجزائر من أجل التقدم الاجتماعي والتغيير ، ومع نضال اليسار المغربي من أجل تحقيق المشروع الحداثي الديمقراطي .
9- أخيراً رأى المجتمعون أن النضال الذي يخوضه اليسار العربي والقوى الديمقراطية ضد الامبريالية وضد البرجوازية ، ومنها قوى الإسلام السياسي ، إنما هو نضال يؤكّد أن من يصنع التغيير هي القوى الشعبية ذات المصلحة الحقيقية بالانتقال ببلداننا من أنظمة الاستبداد والقمع والفساد والتبعية والعمالة إلى رحاب أنظمة ديمقراطية مدنية مقاومة تتحقق فيها العدالة والمساواة والاستقلال الوطني .
من هنا كان الاتفاق على وضع برنامج استراتيجي للقاء اليساري العربي ، يجمع بين مهام النضال من أجل الديمقراطية والمساواة وبين مهام التحرر الوطني من السيطرة الامبريالية ، والنضال من أجل تصفية القواعد العسكرية الأجنبية وإلغاء الاتفاقيات المتعارضة مع السيادة الوطنية .
وعلى هذا الأساس قرر المجتمعون تطوير اللقاء اليساري العربي وتشكيل لجنة متابعة له ، إضافة الى رفع مستوى التنسيق بينهم وبين القوى التحرّرية والتقدمية العربية والعالمية الأخرى ، وكذلك تطوير دور الأطر النقابية والشبابية والنسائية كمدخل لتجميع كافة المتضررين من الأنظمة التبعية ومن كل السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتهجها الرجعية العربية الحاكمة ، مهما كان الرداء الذي ترتديه .
في التدقيق ، بنتائج لقاء الأحزاب اليسارية والعربية ، وبيانها المعلن بشأن القضية الفلسطينية ، ورغم مشاركة أربعة أحزاب وفصائل فلسطينية ، يلحظ المراقب غياب عناوين مركزية عن بيان الأحزاب اليسارية العربية منها :
أولاً : إعادة التأكيد على دور منظمة التحرير الفلسطينية بإعتبارها البيت الجمعي ، وقيادة التحالف الوطني العريض الذي يجمع مكونات الشعب الفلسطيني الأساسية ، والمطالبة بإستكمال إنضمام القوى الأخرى إلى صفوفها ، لأن تكون وتبقى بحق الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني ، فالأنقسام والإنقلاب ما زال يشكل عقبة رئيسية أمام المشروع الوطني الفلسطيني ، مهدداً ببعثرته وبقائه أسيراً للسياسات الإسرائيلية وتطبيقاتها على الأرض ، فقد تحول الأحتلال بقوته وتفوقه ليكون صاحب المبادرة في الهجوم والأستيطان والعمل المسلح وتدمير المؤسسات الفلسطينية وجعل الأرض الفلسطينية طاردة لأصحابها وأهلها وسكانها ، في مقابل عمليات التهويد والأسرلة والصهينة للقدس والغور وتمزيق الضفة وإنفصالها إلى جزئين ، وبالتالي تتحول أراضي فلسطين المحتلة عام 1967 إلى أربعة أجزاء منفصلة عن بعضها البعض هي : قطاع غزة والقدس وشمال الضفة وجنوبها .
ثانياً : عدم إعطاء الأنقلاب الذي نفذته حركة حماس في قطاع غزة في حزيران 2007 وحتى يومنا هذا الأهتمام المطلوب وتقديم سؤال للحصول على جواب واضح هل قطاع غزة محرر أم محتل ، فإذا كان محرراً فالمطلوب من قبل حركة حماس إحترام إرادة الفلسطينيين بالسماح لإجراء الإنتخابات لمجالس طلبة الجامعات والنقابات والبلديات وصولاً إلى إجراء الإنتخابات البرلمانية والرئاسية لأعادة توحيد مؤسسات الشعب الفلسطيني ، بعد أن فقد الرئيس ولايته وإنتهت ، وفقد المجلس التشريعي ولايته وإنتهت أيضاً .
ثالثا: عدم إعطاء أهمية للجزء الفلسطيني المقيم في مناطق 48 ، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة والبالغ عددهم مليون وأربعمائة ألف نسمة يشكلون خمس السكان في مناطق الأحتلال الأولى عام 1948 ، حيث تجري عمليات التشريع من قبل الكنيست الإسرائيلي بسن قوانين عنصرية صارخة ، وعمليات تهويد للنقب عبر محاولات ترحيل الفلسطينيين عن أرضهم وبيوتهم ومصادرتها كما سبق وفعلوا ذلك بالجليل والمثلث ، فالشعب الفلسطيني يواجه ثلاثة عناوين : هي 1- العنصرية في مناطق 48 ، و2- الإحتلال في مناطق 67 ، و 3- التشرد والأبعاد عن الوطن للاجئين والنازحين ، وجميعها تعابير لمضمون واحد هو المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي الذي يحتاج ويتطلب موقف حازم وجذري من قبل القوى اليسارية العربية لحشد الرأي العام العالمي اليساري نحو الموقف الصائب من القضية الفلسطينية بعيداً عن أوهام التسوية والأعلام المضلل والنفوذ الأميركي .
h.faraneh@yahoo.com