الفضل في هذه الخطوة الجبارة التي أنقذت مصر من حرب أهلية مدمرة كانت تطلُّ برأسها من كل الأبواب والنوافذ أولاً لشعب مصر العظيم الذي أثبت أنه لا يقبل الضيم ولا يصبر على القهر والإنحراف وثانياً للجيش المصري المقدام الذي يتصف بوطنية مميزة والذي بقي حارساً أميناً لحدود بلده على مدى حقب التاريخ المعاصرة ومجسداً لطموحات شعبه ولم تتلطخ أيدي منتسبيه من جنود وضباط ولا في أي يوم من الأيام بدماء أبناء هذا الشعب.
كانت مصر قبل مساء الأربعاء الماضي في الرابع من هذا الشهر ذاهبة إلى الفوضى والإقتتال الداخلي والحرب الأهلية فالذين إختطفوا الحكم في لحظة مريضة تعثرت فيها الرؤية الصحيحة وتراجعت خلالها الإختيارات الدقيقة بادروا ومنذ البدايات إلى تبني تجارب كل الأحزاب والقوى الشمولية التي أفرزت أنظمة إحتكارية وإستبدادية وإلى إتباع كل الوسائل والأساليب الملتوية لإحتكار السلطة والتعامل مع الديموقراطية على أنها مجرد طريق واحد في إتجاه واحد لا يسلكه غيرهم.
«الضرورات تبيح المحظورات» ويقيناً لو أن القوات المسلحة المصرية بضباطها الأشاوس وجنودها الأبطال لم تتدخل في اللحظة المناسبة لتُصحِّح الأمور ولتعدِّل المسار لأصبحت مصر تسبح الآن في الدماء حتى عنقها ولكان الشعب المصري المعروف بطيبته وتسامحه وطول «باله» وبصبره وكرهه للعنف والإقتتال يُذبِّح بعضه بعضاً فالأوضاع الإقتصادية والسياسية أيضاً بعد عام واحد فقط من حكم الإخوان المسلمين غدت متردية كما لم تكن عليه في أي يوم من الأيام وأرض الكنانة خلال هذا العام أصبحت غير أرض وادي النيل السابقة الهادئة كهدوء ماء هذا النهر الذي إنْ هو فاض فإنه لا يبقي ولا يذر ويدمِّر كل شيء.
ولعل ما يؤكد أن مصر ،في ضوء تجربة عام من حكم الإخوان المسلمين، كانت ذاهبة إلى إستبدادٍ بدائي وقمع كقمع العصور الوسطى وأشد باسم الدين ،والدين الإسلامي العظيم من كل هذا بريء براءة الذئب من دم إبن يعقوب، أنَّ أحد خطباء ميدان رابعة العدوية في القاهرة الذي خصصه هؤلاء لاستعراضاتهم التهديدية قد ادعى على شاشات عشرات المحطات الفضائية أنَّ جبريل عليه السلام قد هبط على هذا الميدان وأنه وعد هذه الجماعة بالنصر المؤزر المبين وهذا يعني أنه لو لم يتدخل الجيش المصري ويعيد الثورة المصرية إلى إتجاهها قبل وبعد إطاحة نظام حسني مبارك لذهبت مصر فعلاً إلى إستبداد بإسم الدين كالإستبداد الذي عاشته أوروبا قبل ثورتها الرأسمالية وقبل ثورتها الفرنسية.. ولعل ما يعزز هذا أن مراقب «إخواننا» هنا في الأردن الدكتور همام سعيد لم يرفَّ له جفن عندما قال في رسالته الداخلية التي وجهها إلى إخوانه :»إنَّ مرسي قد نجح في الإمتحان فعاش المصريون معه أياماً ذكَّرتهم بالخليفة عمر بن عبد العزيز فهو زاهد كزهده وعفيف كعفته وعابد كعبادته»!!.
نحن نعرف والمصريون يعرفون أنَّ «إخوان» مصر كانوا يعتبرون أن الرئيس المخلوع رئيساً لهم أكثر منه رئيساً للشعب المصري لكن أن يقول الدكتور همام سعيد لا فُضَّ فوه :»وما مرسي إلاَّ واحد من هذا الارتقاء في سلم الصعود الإيماني والسياسي والإسلامي ويكفيه فخراً أنه ولأول مرة تجمع الأمة (...أيُّ أمة؟) بجميع فئاتها على «إمامة»! هذا الرئيس» فإن هذا يعني أن الإخوان المسلمين لا يعتبرون هذا الرجل رئيساً لمصر بل إمام لهم وللأمة الإسلامية كلها!.. ثم وربما أن مراقب «إخواننا» لا يعرف أن المصريين لم يجمعوا على «إمامة» محمد مرسي هذه ولا على رئاسته وأنَّ الفرق بين فوزه وإخفاق الفريق أحمد شفيق كان ضئيلاً جداً وذلك إلى حدِّ أن البعض قد اعتبر أنَّ الفائز فعلاً هو هذا الأخير لولا التدخل الأميركي في اللحظات الأخيرة الحاسمة.. في كل الأحوال إنَّ هذا يجب أن يدفع الأردنيين إلى أن يفتحوا عيونهم جيداً وأن يدركوا كم أنَّ مستقبل أجيالهم ومستقبل بلدهم سيكون مهدداً لو أن هؤلاء تتهيأ لهم لحظة تاريخية ليفعلوا ما فعله إخوانهم في مصر وذلك ما دام أنهم يفكرون بهذه الطريقة ولديهم كل هذه القناعات البالية!.