في خطاب الملك، إعادة اعتبار صريحة للعشائر التي تعرّضت لحملة ظالمة، عنصرية و متعجرفة، من قبل الأوساط النيوليبرالية والمتغرّبة والساعية إلى تقويض الوطن الأردني ودولته وهويته.
رسمت العشائر الأردنية، خلال قرون من الكفاح ضد التعديات الطبيعية والسياسية، حدود أرض الوطن بالدم. وهي التي، بعد الخلاص من الاحتلال العثماني البغيض، رفعت راية الدولة العربية السورية، وكامتداد قومي لتلك الدولة، وإثر وقوع قسمها الشمالي تحت الاحتلال الفرنسي، قرر ممثلو العشائر الأردنية، في مؤتمري السلط وأم قيس 1920، انشاء الدولة الأردنية. وحين كانت هذه لا تزال غضة وضعيفة، فإن العشائر هي التي صدت عنها الغزوات الصحراوية، وثبتت أركانها، وقدمت نخبة أبنائها لعملية البناء والتقدّم، من موقع الجندية، العسكرية والمدنية، عقودا، حدثت، خلالها، المعجزة التي اسمها الأردن.
أولا، الهجوم المنهجي المستمر على العشائر الأردنية، هو، بالأساس، هجوم سياسي، هدفه ضرب أساسات التكوين الوطني الاجتماعي الأردني، وتهشيم الهوية الوطنية الأردنية، وتشويهها، والتمهيد لمحاصرتها واقتلاعها، في سياق خدمة المشروع الصهيوني.
ثانيا،العنف ليس جزءا من البنية الثقافية للعشائر. بالعكس، فحتى بالنسبة للعشائر البدوية الغازية، كان التقليد العشائري يحد من الإفراط في العنف، ويتحاشى القتل والأذى والإساءة للأعراض، أما العشائر الأردنية، فهي تنمي، في معظمها، إلى تقليد نصف بدوي ـ نصف فلاحي، مسالم ومستقرّ ومتحضّر. وهي لا تلجأ إلى العنف إلا للدفاع عن النفس، وفي أضيق الحدود، وضمن أخلاقيات مضبوطة.
تاريخيًا، تلجأ العشائر لحل نزاعاتها إلى القضاء العشائري. وهو أكثر تطابقا مع الاحتياجات الاجتماعية، وأكثر واقعية وعمقا وسرعة من القضاء الحديث، وتقوم فلسفته على روح التفهّم والرحمة والمصالحة في احقاق الحق، وتلافي الإضرار بالمتخاصمين. ولا تلجأ العشائر الأردنية إلى تحصيل حقوقها في جرائم القتل والشرف إلى القوة، كما يزعم تيار استشراقي محلي ودولي مختصّ بالإساءة إلى صورة الأردن، وإنما اعتاد الأردنيون على اللجوء في هاتين الحالتين أيضا إلى القضاة الثقات. ورغم أنهم لم يملكوا أية قوة قهرية، فقد كانت لهؤلاء هيبة طبيعية متواضع عليها تلقائيا، ولا يمكن لأحد تحديها. وكل تلك إشارات حول ثقافة مضادة للعنف والهمجية. وحين تأطرت هذه التقاليد في الدولة الحديثة، تمكن الأردنيون، بلا موارد تقريبا، من بناء أفضل الجيوش والإدارات والعلاقات المجتمعية في المنطقة.
ثالثا،تعرّضت العشائر الأردنية، منذ أكثر من عقدين، إلى عملية إقصاء وتهميش وإفقار وانغلاق؛ لقد خسرت دولتها التقليدية المتوائمة معها ومع احتياجاتها، لصالح دولة رجال الأعمال التي حوّلت معظم موارد البلاد لصالح الرأسمال الأجنبي ووكلائه المحليين ( الكمبرادور الاقتصادي والسياسي والثقافي). وتعارض العشائر الأردنية، بالتالي، هذه الدولة المستجدة بالذات، كونها غريبة عنها وعن روحها وحاجاتها.
ما حدث في الاقتصاد الأردني، خلال العقدين الفائتين، هو نمو مشوّه، مكشوف للعوامل الخارجية، ومؤسس على المديونية، ومنخور بالهدر والفساد، وعاجز ليس فقط عن توفير فرص العمل، بل عن تأمين الحد الأدنى لمستلزمات تجديد الحياة، فما بالك بتطويرها.
رابعا، ما يحل أزمة العشائر، في النهاية، هو الانتقال إلى الدولة التنموية الصناعية الوطنية، ولكن ما نحتاجه اليوم، كمهمة إنقاذية، هو خطة تنمية عاجلة وكثيفة وعميقة في المحافظات، تقوم على ثلاثة شروط التخطيط المحلي والملكية التعاونية والالتزام بالاستثمار بالتقاليد الانتاجية المحلية، أو، بكلمة أخرى، إحياء الريف الأردني، في إطار خطة وطنية. وما يؤسَف له أن الأجهزة الحكومية المعنية بهكذا خطة لا تفهم ، ولا يمكنها أن تفهم هذه الشروط اللازمة للنجاح. |
||
العشائر
أخبار البلد -