من حق من يشاء أن يتمنى بقاء أو زوال نظام الحكم الحالي في سوريا. ومن حق من يشاء أن يحب النظام السوري لانه يرفع شعارات المقاومة والممانعة ، أو يكرهه لأنه نظام استبدادي متحالف مع إيران. ولكن هذه التمنيات والمشاعر الشخصية لا تغير شيئاً في حسابات مصالح الأردن العليا ، وبالتالي تحديد الموقف الرسمي الذي تقتضيه تلك المصلحة.
إذا أخذنا بسيناريو نجاح الثورة المسلحة ضد النظام السوري ، فمن المنتظر أن يقفز الإخوان المسلمون إلى السلطة. وفي هذه الحالة فإن إخوان الأردن لن يقبلوا بأقل من استلام الحكم ، بالتراضي إن أمكن ، وبالقوة إذا لزم ، وستكون سوريا إلى جانبهم بدون تحفظ وبجميع الوسائل المتاحة ، أما المنظمات المسلحة فستبحث عن ساحة جديدة لممارسة نشاطاتها ، وسيكون الأردن على رأس القائمة.
وإذا أخذنا بسيناريو نجاح النظام في حسم المعركة لصالحه ، فمن المنتظر أن يغادر المقاتلون (المجاهدون أو الإرهابيون كما تشاء) سوريا ، تمامأً كما غادروا أفغانستان وانتشروا في بلدان الشرق الأوسط ينشرون الإرهاب ، باسم الإسلام.
لا يعني هذا أن مصلحة الأردن تتحقق بدوام الصراع الحالي ، وبالتالي أخذ موقف المتفرج ، فمثل هذا الموقف قد يلائم إسرائيل ولكنه لا يلائم الأردن ، فالحياد الأردني المطلوب يجب أن يكون إيجابياً متحركأً وفاعلاً ، ولا يقبل أن يكون مصير أمنه واستقراره معلقاً في الهواء.
هناك اعتبارات أخرى ودول عربية وأجنبية لها مواقف من الصراع لا بد أن تؤخذ بالحساب ، ولو كانت المسألة ذات أبعاد أردنية سورية فقط ، لكانت مصلحتنا تكمن في دعم استقرار سوريا واستمرار النظام ، معدلاً على ضوء التجربة العملية ، لأن النظام الذي تعايشنا معه على علاته 40 عامأً خير من المجهول الذي لا نعرفه. وليس هناك من يستطيع رسم صورة لما ستكون عليه سوريا في حالة إسقاط النظام.
أما وأن علينا أن نأخذ كل الأمور والتداعيات والعلاقات الإقليمية والدولية بالاعتبار ، فإن مصلحة الأردن تكمن في الحياد الإيجابي ، واستمرار التعامل مع الدولة السورية كالمعتاد واعتبار أن ما يحصل فيها شأن داخلي.
هناك موقف انتهازي يقول به البعض ولا يخلو من منطق وهو انتظار نتائج المعركة ثم المراهنة على من يربح ، بحيث نجد أنفسنا في نهاية المطاف مع الطرف المنتصر.
في الأردن مفكرون استراتيجيون على المستويات السياسـية والأكاديمية ، وعليهم أن لا ينتظروا دعوة الفضائيات للتعليق على الاحداث ، بل أن يقولوا لنا بصراحة أين تكمن مصلحة الأردن على المدى القريب والبعيد ، وما هو الموقف الذي تفرضه على الأردن مصالحه على ضوء المعطيات الراهنة.