أصدرت دول الخليج النفطية بياناً في ختام اجتماعاتها الأسبوع الماضي بالسعودية صنفت فيه حزب اللـه اللبناني بأنه منظمة إرهابية في خطوة غير مسبوقة عربياً وحتى غير مسبوقة أوروبياً وأميركياً ثم أعقبت خطوتها بإحالة الأمر لجامعة الدول العربية التي قام موظفهم فيها باتخاذ موقف شبيه حيث بدا العربان وكأنهم عثروا على ضالتهم المنشودة في حصار حزب اللـه وإضعافه بعد أن فشلوا في سورية ولم يتساوق معهم الناتو للتدخل العسكري فيها رغم كل مناشداتهم ومناشدات شيوخهم وخاصة القرضاوي حيث رفض هؤلاء أن ينجدوهم هناك، ومفهوم أن خلفية الموقف الخليجي تتعلق بعاقبيل ما يسمى الربيع العربي وحتى لا يرتد الأمر وبالاً عليهم وعلى مشيخاتهم وممالكهم القروسطية.
السؤال الذي تبادر إلى ذهني حين سمعت خبر تصنيف حزب اللـه بأنه منظمة إرهابية كان على الفور: ما مصلحة الأمة العربية ومستقبل الصراع العربي الصهيوني في ظل موقف خليجي كهذا تتبناه جامعة «عربية» من المفترض أنها قامت من أجل حماية مصالح الأمة ووحدة صفها في مواجهة الأعداء؟ والسؤال الثاني الذي تلاه مباشرة لماذا يتحول حزب اللـه في نظرهم لمنظمة إرهابية ويتجرؤون على إعلان ذلك بعد دخول حزب اللـه لمدينة القصير بريف حمص لمساعدة الجيش السوري على استعادة السيطرة على موقع شكل للدولة السورية ثغرة أمنية كبيرة واستغله إرهابيو جبهة النصرة والقاعدة في القتل والتخريب؟
أما السؤال الثالث فكان عن قوات درع الجزيرة التي دخلت البحرين وقامت بقمع الناس هناك وساهمت بشكل فعال في إسكات صوت الشعب البحريني المنادي بالحرية والعدالة، فأي عهر سياسي ما نسمع وما نرى حول الموقف من حزب الله؟ وقد بقي السؤال المزمن عن وجود عشرات الآلاف من المرتزقة والإرهابيين فوق الأرض السورية يعيثون فيها فساداً وقتلاً وتخريباً ولا أحد من عربان النفط ولا أزلامهم من كتاب الناتو ومفتيهم يشيرون لهم من قريب أو بعيد. لقد فتحوا أبواب الجحيم في المنطقة بفتح بوابات الفتنة الطائفية وتشريعها لكل من هب ودب، وبدا الأمر وكأننا في مجاهل القرون الوسطى، بل أكثر من هذا فقد تخيل المرء أنه يشاهد موقعة الجمل أو صفين وكل ما دار في تاريخنا الإسلامي الدامي من فتنة وموت وخراب وبقيت آثاره حتى اليوم. إن المرء ليتساءل حين يسمع هؤلاء يتحدثون بوقاحة وقلة حياء عن حزب اللـه الذي هزم العدو مرتين وقدم أشرف وأنظف ما في تاريخنا العربي من مواقف وتضحيات وانتصارات هل هم أفضل منه للأمة؟ ولو تخيلنا زوال أحد الطرفين فمن الذي يفيد زواله مستقبل هذه الأمة ممالك ومشيخات النفط ومحميات الخليج أم حزب الله؟
نعود لأصل الحكاية في وصف حزب اللـه بالإرهابي ربطاً بتدخله في معارك ريف حمص وهل الموقف الخليجي وما تبعه من تبن من بعض الدول العربية وموظفهم برتبة أمين عام للجامعة يمثل بأي شكل تضامناً مع الشعب السوري ونصرة لحريته وكرامته أم إن الأمر غير ذلك تماماً؟ القادة الخليجيون ولأبعاد شبح انتقال الحراك العربي لدولهم الهشة عملوا منذ بدء الأزمة على تعقيد طريق الحل وتسويتها بشكل مناسب لكل الأطراف وليست قرارات الجامعة ولا لجانها للمراقبة بعيدة زمنياً حتى ينساها المرء ولا يربطها بما يجري اليوم، والجميع يتذكر كيف جرى إبعاد الدولة السورية عن عضوية الجامعة تحت عناوين ومسوغات زائفة ومسيئة للشعب السوري، كما نتذكر الحصار الاقتصادي البشع الذي فرضته دول التبعية والعمالة وأضر بالشعب السوري ووضع صعوبات بالغة أمام حصوله على لقمة عيشه وأيضاً تحت المسوغات الراهنة ذاتها في وضع حزب اللـه على قائمة التنظيمات الإرهابية. من منا لا يذكر كيف كان ينهي حمد القطري أعمال لجان المراقبة ويسخر قناته الجزيرة للتحريض وتزوير الوقائع والحقائق لإسقاط الدولة السورية وإلحاقها بدول الربيع الأميركي تحت سيطرة الإخوان المسلمين؟ ومن منا لا يذكر محاولاته المستميتة ومعه مملكة آل سعود وغيرها من دول الخليج وتركيا والغرب عموماً لأخذ قرار تحت البند السابع يسوغ التدخل العسكري للناتو في سورية الشقيقة؟ فهل كان ذلك التدخل لو وقع لمصلحة الشعب السوري ويقلل من قتلاه؟ لقد رأينا التدخل في العراق وفي ليبيا واليوم نراه ولكن عبر عصابات ومرتزقة في سورية؟ فهل هذا له أي علاقة بالحفاظ على حياة الشعب السوري؟ وهل مساندة السوريين ودعم حريتهم يكون بمساندة الإرهابيين وتمويلهم ودفعهم للقتال والتدمير داخل سورية؟ وهل نعيد تكرار ما قاله زعيم المعارضة معاذ الخطيب بهذا الصدد ليفهم الناس أو يعوا كيف يفكر هؤلاء الخليجيون وما الذي يرسم سياستهم ويوجهها؟ إن وجود حزب اللـه في حد ذاته كنقيض للتخاذل العربي الرجعي والعمالة لأميركا والغرب عموماً يمثل سبباً كافياً لاعتباره منظمة إرهابية من جانب هؤلاء، كما أن وجود مقاتلين محترفين وعقائديين يؤمنون بأمتهم وبقدسهم وبأن تحرير أرضهم وهزيمة المشروع الصهيوني أغلى هدف وأشرف طريق يؤرق عربان الخليج وصبيانهم المأجورين، وهم يعلمون يقيناً أنه حين يجيء وقت الحساب مع المشروع الصهيوني فإنهم سيكونون قد زالوا عن خريطة المنطقة وتبدلت كل أحوالها باتجاه انخراط الجميع في هذه المواجهة. حزب اللـه الذي انتصر على «إسرائيل: وأرغمها على الانسحاب من لبنان عام 2000 ولقنها درسا قاسياً عام 2006 هو الحزب نفسه الذي ساعد أشقاءه وحلفاءه في دمشق على تحرير القصير من عصابات القتل والخراب، وإذا كانت أوروبا سيدتهم قد تريثت وامتنعت عن تصنيف الحزب بما وصفوه فقد كان حرياً بهم أن يكفوا ويغلقوا أفواههم ولا تأخذهم العزة بالإثم. كل التحية لحزب اللـه وإذا كان الوفاء للقيم الكبرى وللمقاومة وللحليف إرهاباً فمرحباً بالإرهاب وأهله.