يطرح جلالة الملك عبد الله الثاني أفكاره السياسية والاجتماعية والإصلاحية عبر وسائل الاعلام المختلفة. وقد وصل عددها إلى أربع ورقات، حيث نشرت الرابعة أمس، وهو يتوقع أن تحدث صدى في الرأي العام الاردني، بهدف تبادل الآراء والأفكار ووجهات النظر.
ولا يقدم جلالته هذه الافكار باعتبارها قرارات أو توجيهات أو تعليمات نهائية، بل هي مطروحة للنقاش الذي يعني الأخذ والردّ، ويعني القبول والرفض، ويعني التعديل والإضافة.. والحذف !
هذا مؤشر أوضح على مسيرة الاردن الديموقراطية وعلى جدية القيادة في البحث عن الحلول، وعلى تبنيها للإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي قولاً وفعلاً.
وإذا كنا نتطلع، مثل غيرنا من الشعوب العربية، إلى تجديد الحياة السياسية وتفعيل المسيرة الديموقراطية لتكون نهج حياة، لا مجرد فكرة عابرة، فإننا في حاجة واضحة الى تطوير نموذجنا الديموقراطي.
ولعل تماهي جلالة الملك مع الطروحات والتطلعات الشعبية عبر الحراك الشعبي الوطني، وعبر المؤسسات الديموقراطية العامة، وعبر الاعلام بألوانه المختلفة، يساهم في تحريك المسار وتحديده، وتوضيح الاتجاهات وإضاءة الطريق نحو الغد الأفضل، دون إلزام أو إكراه أو فرض من فوق، كما يقال، ودون أن يردد بعضنا: ان كلام الملك هو ملك الكلام.. ثم يصمتون، ويظنون أنه ليس في الإمكان أفضل مما كان.
تقديرنا لمشاركات جلالة الملك كبير، وثقتنا بصدق توجهاته وسلامة آرائه عالية، ولكن هذا يدعونا الى التفاعل مع ندائه، والاستفادة من الفرص المتاحة لبلورة رأي عام اردني حول مختلف القضايا المحورية المطروحة للنقاش في مرحلة لم تعد تسمح بالانتظار أو الصمت أو ممارسة فضيلة: السكوت من ذهب!
ان ابرز ما تؤشر عليه الاوراق الملكية ما يلي :
أولاً: ضرورة تطوير نموذجنا الديموقراطي..
وهنا قد يتساءل بعض المراقبين عن طبيعة هذا النموذج وأهدافه وقدراته ومداه.
ثانياً: الحوار الوطني الشامل حول سبل التطوير وأهدافه وأسسه، ومساهمة جميع الأطراف والجهات والأفراد كل حسب امكانياته وقدراته في تفعيل هذا الحوار وتنميته والإيمان بضرورته وأهميته.
ثالثاً: العمل على تعميم ثقافة الديموقراطية، عبر المؤسسات التربوية المختلفة ابتداء من الاسرة فالمدرسة فالمؤسسات الشبابية والأحزاب والتجمعات السياسية مروراً بأجهزة الإعلام كلها.
رابعاً: توفير الضمانات الكافية لإنجاح التحول الديموقراطي وتعميقه، ومن أهمها: حماية التعددية السياسية والاجتماعية والإيمان بالتطور والتدرج وعدم حرق المراحل، وتوفير الفرص السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتكافئة، والتأكيد على مبادئ حرية التعبير والعدالة والمساواة.
ولما كان الهدف الاساسي من الاصلاح هو تحقيق المشاركة الشعبية في صنع القرار، ولما كنا نمتلك تجربة غنيّة في هذا المجال، فإننا مطالبون بالعمل من أجل تعزيز صور هذه المشاركة وأساليبها، وفقاً للمبادئ التي أشرنا إليها وهذا يتطلب أساساً أن تكون الديموقراطية وسيلة لا غاية، ونهجاً وسلوكاً، لا بهرجة وديكوراً، وان نؤسس لحركة سياسية ديموقراطية تعتمد على المواطنة وتفعيل الحياة الحزبية السليمة، واعتماد الاحزاب على رؤية برامجية محددة، وهذا يقودنا إلى ترسيخ نهج الحكومات البرلمانية، ومن خلال قانون أحزاب وقانون انتخاب جديدين يواكبان العصر والتطور ولا يأسرهما الواقع، ولا يكون أي منهما مأزوماً بمواصفات اجتماعية أو سياسية أو جهوية، تجعله عاجزاً عن النهوض بالعملية الديموقراطية المطلوبة.
ثمة في الورقة الجديدة، ما يحتاج إلى مناقشة حول «التمكين الديموقراطي»، وهو ما سنحاوله في وقفة أخرى..
Mna348@gmail.com