اتخذت الحكومة البريطانية قراراً بتحويل الحدائق والأراضي الملحقة بمدارس التربية والتعليم لديها إلى مزارع منتجة، عن طريق تشغيل التلاميذ أنفسهم بإشراف المعلمين وبعض أصحاب أهل الخبرة في المجال الزراعي. وعرض التقرير الموثق الذي بثته وكالات الأنباء نجاحاً مثيراً، حيث استطاعت بعض المدارس أن تحقق إنتاجاً فائضاً عن حاجتها، وأقدمت على تزويد السوق المحلي بهذا الفائض الزراعي.
بعض هذه المزارع اختص في انتاج الخضراوات، وبعضها اختص في انتاج الفواكه، وأخرى في انتاج الورود والأزهار ونباتات الزينة، وبعضها الآخر يختص في مزارع الأبقار والأغنام، وبعضها في مجال تربية الدجاج والاوز والبط والحبش والحمام وغيرها من الطيور الداجنة.
يهدف هذا القرار التربوي إلى تزويد الطلاب بمهارات الحياة، التي تكسبهم الخبرة الإنتاجية القادرة على تحويل هذا القطاع الواسع والعريض من المجتمع إلى قطاع منتج بدلاً من أن يكون قطاعاً استهلاكياً، وعبئاً ثقيلاً على الاقتصاد العام وعلى أولياء الأمور.
كما يهدف هذا القرار إلى غرس ثقافة العمل في نفوس الناشئة، وتنمية روح المشاركة لدى الأجيال في حمل الهم الوطني، والاسهام في خدمة شعبهم وأمتهم، وتعزيز روح الانتماء والولاء بطريقة عملية، تقوي رابطة العلاقة مع المكان، وزيادة قوة التمسك بالأرض، وتوطيد أواصر الصداقة مع الأوطان، من خلال قوة الارتباط وديمومة الاتصال، من خلال العلاقة الحميمة مع الأرض.
شعور رائع يتولد لدى التلاميذ عندما يأكلون من عمل أيديهم، والأكثر روعة أن تتولد لديهم معاني الثقة بالنفس، من خلال التدريب على التعامل مع أصناف المزروعات المختلفة، وانواع الحيوانات الأليفة والمنتجة، عندما يتعلمون كيفية إعداد الأرض والتربة المناسبة، والاطلاع بشكل مستمر على تطورات النمو، والمشاركة في معالجة المشاكل التي تواجه المزارع ومنتجاتها من أمراض وأوبئة، وما تحتاجه من عناية ورعاية ومعالجة.
لماذا لا تتم العودة بمدارسنا إلى هذه التجربة العملية، ولماذا لا تتم إعادة إحياء قطع الأراضي الملحقة بالمدارس، أو عن طريق تخصيص قطع أراض من أملاك الدولة لهذا الغرض، بحيث يصبح لدينا مدارس منتجة، وطلاب منتجون، بالاضافة الى اكسابهم كثيراً من مهارات الحياة الانتاجية، بالاضافة الى ما يتحصل لديهم من خبرة عملية في التعامل مع المزروعات العديدة والمتنوعة التي تدخل في غذائهم الضروري وقدرتهم على التعامل مع الحيوانات المنتجة.
سوف يكون لهذا المنهج نتائج ايجابية مفيدة لا حصر لها على صعيد هذا الجيل الذي يتعرض لموجة اغتراب شرسة تتناول علاقته مع وطنه ومجتمعه، وعلاقته بغذائه وصحته، وعلاقته مع البيئة.
أول هذه الاثار سوف يظهر على أبدانهم بطريقة ايجابية سليمة، من خلال تعرضهم للشمس، ومن خلال الحركة البدنية نتيجة العمل في الأرض، وسوف تنشأ علاقة حميمة مع التراب والماء والمكان، لا تتحصل لديهم عن طريق الوعظ النظري الجاف والتعليمات الرسمية الفوقية.
نحن بحاجة ماسة الى تحويل الشباب الى شرائح عاملة منتجة، تقضي أوقاتها في أعمال مفيدة، يسهمون من خلالها في إحداث التنمية الشاملة، التي تمزج بين النظرية والتطبيق.
ينبغي إحداث نقلة هائلة في ثقافة المجتمع، والأجيال الجديدة التي ابتعدت كثيراً عن ميدان المشاركة في العمل المنتج، واستغرقت في أنماط حياتية مليئة بالكسل وقلة الحركة، وقضاء الساعات الطويلة على التلفاز وشاشات الحواسيب، وهدر الوقت في غير فائدة ترجى.
الجيل القديم أغلبه مارس الرعي وأعمال الزراعة المختلفة، وكانوا بعد الدوام المدرسي وفي أيام العطلات، يذهبون الى الحقول ليشاركوا في الحراثة والزراعة وأعمال الحصاد وجني الثمار، وكانت العطلة الصيفية فرصة لتحصيل الأقساط الجامعية وشيئاً من تكاليف المعيشة، بخلاف الجيل الجديد الذي لا يدري ما هي خطوات انتاج رغيف الخبز، ولا يستطيع ادراك أهمية نزول المطر. |
||
مزارع ملحقة بالمدارس
أخبار البلد -