مشوار الأردنيين مع التدخين ليس بالأمر الجديد، لكن الأمور اليوم غدت تثير المخاوف عندما نطالع بأن في 61% من الأسر الأردنية هنالك فردا واحدا على الأقل من المدخنين، وأنه في زمن المصاعب الحياتية الحرجة فإن نصف الأسر الأردنية تصرف قرابة دينارين في اليوم على التدخين، والأكثر فزعاً أن نسبة المدخنين قد ارتفعت في الأردن بشكل كبير في الفترة الأخيرة لتقارب اليوم حسب البعض 43% وكم محزن أن نقرأ بأن 13.8% من الأردنيين البالغين ما بين 13 و15 سنة يدخنون، وأن الطلبة يعرضون على أساتذتهم سيجارة ضيافة بشكل طبيعي.
يذهب شبابنا بكثافة لمئات الكوفي شوب التي تغرق بها عاصمتنا ليروّحوا عن أنفسهم وليلتقوا ولو عن بعد بالفتيات ،لكنهم في زمن التخلف الذكوري العصيب المقلق عندما تدق ساعة البحث عن شريكة يفرضون عليها نسيان المعسل والكوفي شوب. أمّا الفتيات فتجد في هذا العالم فرصة للتخلص من ضغط العائلة والالتقاء بأصدقاء جدد ولم لا لتتعرف إلى شريك لكي تسافر في دخانه كما يقول نزار قباني جاهلة بأن هذه الرحلة قد تتجاوز ما تتخيله وتوصلها إلى حيث لا عودة ، فالدخان ليس فقط وسيلة للهو لكن خنجر يغرس سمومه على نار هادئة في جسم الإنسان.
فالتدخين الذي يعرف الأردنيون مخاطره ويغمضون عيونهم عنها يؤدي إلى انسداد المجاري التنفسية وتضيق الشرايين وتصلبها والعديد من أصناف السرطان ونقص تروية الجسم بالأكسجين والإدمان البدني والتهاب القصبات وانتفاخ الرئتين والسكتة القلبية ونقص القدرة على العمل العام وارتفاع الضغط وتناقص كفاءة الرئتين، بل وأن ثلثي مرضى القلب من المدخنين ناهيك عن أخطاره على الجهازين الهضمي والعصبي والعينين.
وحسب آخر الإحصائيات فالدخان يقتل مدخناً كل أربع ثوان بمعدل خمسة ملايين ضحية في السنة، ويتوقع المراقبون أن تصل نسبتهم إلى عشرة ملايين عام 2020، وتدل الأرقام على أن الدخان قد تسبب بوفاة مئة مليون إنسان في القرن العشرين، وقد تصل النسبة إلى مليار مع نهاية القرن الحادي والعشرين.
وقد كان لحملات منع التدخين في العالم الفضل في تخفيض نسبة المدخنين في السنوات الأخيرة، وكذلك سياسة رفع الأسعار، حيث أظهرت الدراسات بأنه عندما يرتفع سعر العلبة بنسبة 10% فإن نسبة المدخنين تقل بما يعادل 3%.
في الوقت الذي تزداد به حالات السرطان في الأردن بشكل مقلق (285 حالة عام 1980 مقابل 1396 حالة عام 1995 و4798 حالة حسب آخر إحصائية عام 2009 )، وتزداد به أعداد المدخنين بشكل مروع ومعظم أنواع السرطان القاتلة كما نعرف يسببها التدخين، فأي عقل بإمكانه استيعاب القيام بتخفيض سعر علبة السجائر المحلية بنسبة 26% ؟ أي استهتار بالصحة العامة ما يجري منذ بداية العام على مرأى من السلطات الصحية التي اعتبرت نفسها بشكل لا مسؤول خارج اللعبة ؟ هل يمكن تفسير هذا القرار الخطر رغم الحجج الواهنة المعلنة إلا على أنه دعوة مغرية لغير المدخنين من ذوي الدخل المحدود لقذف أرواحهم في أحضان المصائب المستقبلية والسرطان ؟ ودعوة للمدخنين لزيادة استهلاكهم من النيكوتين والقطران وحرق أحشائهم بطريقة أسرع ؟ بأي حق تلتزم الحكومة الصمت على حث الأردنيين على قتل أنفسهم وعلى حرمان الدولة من دخل لا يستهان به لخزينة الدولة التي تستوفي 72% ضريبة على الدخان، وذلك بدل أن تدفّع شركات التصنيع تعويضات عما يسببه دخانها من ضحايا كما حصل في أمريكا وأوروبا؟
ألا يكفي استهتار وزارة الصحة بصحة الأبرياء وهي ترى المدخنين ينتشرون في المولات ووسائل المواصلات والمرافق العامة أمام يافطة قرار منع التدخين في الأماكن العامة وقانونها العرفي لعام 2010 يغمره الغبار حتى تصل الأمور لمشاركتها الفعالة في اغتيال صحة الأردنيين بإغراء المترددين عن التدخين على وأد تخوفهم والانخراط مع فيالق ضحايا الغد؟
تخفيض أو رفع أسعار الطلقة التي ستخترق رئتي المواطن الأردني قرار مصيري خطر لا تتخذه شركة تصنيع دخان بمفردها فهذا إضرار متعمد بصحة الأبرياء يمنعه قانون الصحة العامة المفروض على وزارة الصحة تطبيقه ولربما يكون الوقت قد حان لكي تتكرم وزارتنا الكريمة بالنزول من منصة المتفرجين لوضع حد للاستهتار بصحة وأرواح الأردنيين.
suhailsweis@alarabalyawm.net
العرب اليوم