قالت تقارير صحافية غير مؤكدة إن وحدات من مقاتلي حزب الله ، ربما تكون تساعد الجيش العربي السوري في تطهير محافظة درعا من فلول الإرهابيين. إذا صحت هذه التقارير، يكون هؤلاء المقاتلون في خدمة الدولتين السورية والأردنية، المعنيتين بتنظيف المنطقة كلها من شبكات "القاعدة” و”جبهة النصرة”.
السلفيون الجهاديون في الأردن، ممن لا يزعجهم وجود قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية على مبعدة أمتار من حدودنا، استشاطوا غضبا، لأن مقاتلي حزب الله موجودون بالقرب من الحدود السورية ـ الأردنية، وتهددوا وتوعدوا، مما يدفع المرء للتساؤل عن مدى التعاون الرسمي مع هذه الجماعة التي تهدد الأمن الوطني الأردني، وعن مدى الغرور الذي ينتاب مَن يفكر باستخدامهم كأدوات ” آمنة”.
إذا اقتصر وجود مقاتلي حزب الله في درعا على المساعدة على تطهيرها من الإرهاب، فنحن إزاء مهمة مؤقتة لا تحتاج إلى الكثير من التدبر، سوى إغلاق الحدود أمام اللاجئين والمقاتلين والأسلحة، والتقيّد بممارسة سياسة الحياد إزاء الصراع السوري ـ السوري، لكن ماذا إذا كانت جيرة حزب الله طويلة، وذات علاقة بالصراع السوري ـ الإسرائيلي؟
هناك حقائق جيوسياسية لا يمكن لمطبخ القرار الأردني، تجاهلها، هي الآتية:
أولا، أن نظام الرئيس بشار الأسد باق، ولن تكون هناك أي تسوية إلا به ومعه وفي ظل خياراته الاستراتيجية؛ بمعنى أن التغييرات ربما تطال الشكل الدستوري للدولة بما في ذلك النظام الانتخابي وآليات تشكيل الحكومات والحريات السياسية والإعلامية الخ، لكن ثوابت السياسة الخارجية السورية، لن تُمسّ، ولن يسمح الجيش العربي السوري ولا إيران ولا روسيا، بالمساس بها.
ثانيا، أن النظام السوري انتقل، تحت وطأة الحرب والحصار، من مرحلة الممانعة والصراع مع إسرائيل خارج الأسوار، إلى مرحلة المقاومة؛ فهو استغل الغارات الإسرائيلية على الأراضي السورية، لكي ينهي الهدنة في الجولان، ويعلنها منطقة مقاومة. وهذا القرار استراتيجي وليس تكتيكيا.
ثالثا، المقاومة الشعبية التي تتأسس في الجولان، ستكون، كما أُعلن عنها، شيوعية ـ سورية قومية، إنما ستتكون، في عمادها العسكري الرئيسي، من مقاتلي حزب الله الذين سيمكثون، من الآن وصاعدا، في القسم المحرر من الجولان.
رابعا، هذه الخطوة ليست انفعالية ولا هي مجرد رد آني على العدوان الإسرائيلي، وإنما هي خطوة في سياق كامل، كان انسحاب القوات النظامية السورية من مواقعها في الجولان، أبرز محطاته.
خامسا، معادلة المقاومة في سورية الآن واقعية تماما؛ فسورية خسرت في أحداث السنتين الماضيتين معظم ما كانت تخاف عليه من بنى ومنشآت، ثم أن تلك المعادلة من الناحية العسكرية، سوف تقوم على عمليات فدائية منخفضة المستوى ولكن مثابرة، تحميها شبكة صاروخية، أي أنها تكرر معادلة المقاومة في جنوب لبنان، وأخيرا، فإن اطلاق المقاومة في الجولان، تشكل ضرورة للدولة السورية كأداة فعالة لتوحيد المجتمع السوري وراء قيادته، ولئم جراحه في ظل مهمة التحرير الوطني.
على الأردنيين (والفلسطينيين بالطبع ) أن يفكروا مليا في هذا التطور الاستراتيجي؛ فالسلام مع إسرائيل لم يعد ممكنا، لا من طرفها حيث لا تريد أن تلتزم بمتطلبات السلام، ولا من طرف المقاومة التي أصبحت اليوم خيارا وحيدا للدولة السورية وحلفائها.