أثارت زيارة الشيخ يوسف القرضاوي، لقطاع غزة الكثير من التساؤلات، وأفرزت مواقف فلسطينية، فقد دعت الفصائل اليسارية والقومية في قطاع غزة، إلى مقاطعة زيارة القرضاوي على خلفية مطالبته بالتدخل العسكري الأميركي لمساعدة قوى المعارضة السورية، لإسقاط نظام حزب البعث في دمشق على غرار التدخل الأميركي في العراق وليبيا، ولذلك دعت الفصائل، بدلاً من الترحيب بالقرضاوي، مواجهته بالمظاهر الأحتجاجية بسبب مواقفه السياسية.
زيارة القرضاوي وغيره من الشخصيات البرلمانية والحزبية والنقابية العربية، تتم في سياق رؤيتين مختلفتين:
أولهما: للتضامن مع أهالي القطاع بهدف كسر الحصار الإسرائيلي الظالم المفروض عليهم والمطالبة بإنهائه ووقفه، وأن لا يبقى أهل القطاع أسرى للبرنامج العدواني الإسرائيلي في مواصلة حشرهم وإعتقالهم الجماعي، لصالح مشروعه الإستعماري التوسعي، بما يتعارض مع حقوق الأنسان وتطلعات الشعب الفلسطيني لإستعادة كامل حقوقه المشروعة غير المنقوصة في المساواة في مناطق 48، والإستقلال لمناطق 67 والعودة للاجئين، وهو موقف يعتبر بنظر الأحزاب والقوى القومية واليسارية خيارا صائبا وإنحيازا مشروعا يستحق الإحترام والتقدير لكل مبادر لهذا التوجه المطلوب.
وثانيهما: قيام الوفود بزيارة قطاع غزة تأييداً لحركة حماس والإنحياز لخياراتها، فهو توجه خاطئ في نظر الأحزاب اليسارية والقومية، ويجب وقفها لأكثر من سبب:
أولاً: لأن حركة حماس نفذت انقلاباً ضد الشرعية واستولت منفردة على السلطة في قطاع غزة، وعطلت المجلس القضائي والمؤسسات الحكومية وبدلت الأجهزة الأمنية وجعلتها من لون حزبي واحد ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين.
ثانياً: لأن حكومة إسماعيل هنية من لون حزبي واحد وتتولى إدارة السلطة منفردة في قطاع غزة وتمنع أي نشاط سياسي أو حزبي للقوى السياسية الأخرى ولا تشركها في الإدارات الحكومية وفي سلطة اتخاذ القرار، وهي بذلك لا تختلف عن وسائل وهيمنة أحزاب اللون الواحد والرؤية الواحدة، كما كانت في مصر وليبيا وتونس واليمن قبل الربيع العربي.
ثالثاً: لقد انتهت ولاية الرئيس محمود عباس، وكذلك المجلس التشريعي الذي تستند إليه حركة حماس لمواصلة شرعيتها الدستورية، والذي انتهت ولايته أيضاً، ومع ذلك ترفض حركة حماس إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية، وهي التي أعطتها الشرعية القانونية والدستورية في تولي السلطة حينما حصلت على الأغلبية البرلمانية، وكلفها الرئيس محمود عباس بتشكيل الحكومة في شباط 2006، فكيف يمكن للزائرين الانحياز لسلطة ترفض إجراء الانتخابات وترفض الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وهؤلاء الزوار سواء كانوا برلمانيين أو حزبيين أو نقابيين وصلوا إلى مواقعهم القيادية عبر صناديق الاقتراع، فكيف ينحازون لطرف سياسي يرفض الانتخابات ويرفض الاحتكام إلى صناديق الاقتراع ومبدأ تداول السلطة.
ولذلك ستبقى زيارات قطاع غزة، خلافية تحتمل التأويل حتى يتم إنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة الفلسطينية.