لقاءاتي مع العربي الأميركي الذي تعاطى من خلال عمله غير السياسي مع شخصيات اميركية كبيرة، وعمل على الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي كانت كثيرة. وحواراتنا تناولت شؤوناً عربية وأميركية عدة. تحدث في بدايتها عن الرئيس أوباما قال: "إنه مصمم على التوصل في ولايته الثانية إلى حل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ينطلق من مبدأ "الدولتين".
وتصميمه ليس جديداً. لكن اموراً عدة لم تساعده في حينه. منها سلبية نتنياهو وعدائيته. ومنها مواقف جهات فلسطينية منها حركة "حماس". ومنها مواقف إقليمية (سوريا وإيران). ومنها غياب الإلتزام الفعلي للعرب ومنهم السعودية وخصوصاً منذ أن صار همّهم التخلص من تهديد إيران. ومنها، عدم قيام السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيسها محمود عباس بما يجب، وعدم وجود فريق معه يُطلعه في استمرار على تطورات المواقف الخارجية من قضية شعبه. قال عباس وشجّعه صائب عريقات وآخرون: "لا نعاود التفاوض مع إسرائيل إذا لم توقِف بناء المستوطنات وخصوصاً في القدس، وإذا لم تعترف بالمرجعيات الدولية للتفاوض". أولاً إن نتنياهو يستفيد من هذا الموقف. وهو يدفع بتصلُّبِه السلطة الى الرفض، وذلك لدفع أوباما إلى وقف الدعم المالي للسلطة والتفاوض والاستمرار في الاستيطان. ثانياً، لا يلغي التفاوض مطالبك وحقوقك كشعب فلسطيني وشرعيتها. أنت تتفاوض كممثل عنه. ولكنك لا توقِّع على أي شيء قبل التوصل الى حل. ثالثاً، كان على عباس وفريق عمله ان يضعا على الورق خطة للتفاوض يحدّدان فيها المطالب المعقولة كي يكون في يد أميركا ما تستطيع ان تفاوض به إسرائيل وأن تقنعها بالتوصل الى حل. هذا الامر لم يحصل حتى مع الزعيم التاريخي ياسر عرفات. كان هناك دائماً من يعرض مقترحات، تارة الإسرائيلي وتارة الأميركي. أما الفلسطيني فقد كان يرفض. وكلينتون في أثناء رئاسته لام عرفات لرفضه اقتراحاته الجدية والتي كانت أساس حل الدولتين.
ربما كان الفلسطينيون في حينه محقين جزئياً. لكنهم لم يعطوا الاميركيين شيئاً نهائياً مكتوباً. كما أن العرب الذين إتصلت بهم واشنطن لإقناع عرفات بالتجاوب امتنعوا عن ذلك لأنهم لم يكونوا يعرفون على ماذا يجري التفاوض. العرب غير جديين. عرفات اتصل بوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل وقال له: "مش عايزين يعطوني الحَرَم". والسعوديون كانوا ايام الراحل السعودي الامير نايف يكيلون... والنقد للرئيس الاميركي".
ماذا ايضاً عن هذا الموضوع الذي يبدو أنه يهمُّك كثيراً؟ سألت. أجاب: "في أثناء تكريم سام لويس وكان سفيراً لاميركا لدى إسرائيل قال زالمان شوفال انه ليس لبلاده شريك فلسطيني في مفاوضات السلام. فرددت عليه قائلاً: لإسرائيل شريك حقيقي. لكنها لا تعترف به وتُفشّله. وقلت أيضاً: إن عباس هو الفلسطيني الأول الذي قال رسمياً إنه يسعى الى دولة فلسطينية على حدود 1967. وهو يعرف جيداً، أن عودة اللاجئين من شعبه إلى أراضيهم (الـ1948) غير ممكنة ولا واردة. ولذلك يجب التعامل معه. على الفلسطينيين ان يتصرفوا كأنور السادات، وبذلك يكسبون قلوب الاميركيين واليهود الاميركيين، ويُعطِّلون عراقيل اسرائيل وعقباتها ومتشدديها".
هل لدى أوباما في رأيك فرصة أو فسحة من الزمن للعمل على تنفيذ حل الدولتين: فلسطين وإسرائيل؟ وما هو مداهما؟ سألتُ: أجاب: "فرصة أوباما ستة أشهر. احتمالات نجاح عملية السلام على المسار الإسرائيلي – الفلسطيني جيدة في رأيي. ذلك أن نتنياهو ضعيف، وبشار الأسد ضعيف وضعفه أو سقوطه يُضعف "حزب الله". وذلك كله يُضعِف إيران. و"حماس" أوضاعها متغيرة. نتنياهو في حاجة الى أوباما اليوم. "تنمرَد" عليه وتحدّاه. لكنه بتراجعه عن ضرب إيران السنة الماضية بسبب رفض أوباما لذلك، وبقبوله إعطاء سنة للسعي إلى مباحثات حوارية معها إعترف بأن بلاده تحتاج الى اميركا في موضوع إيران، إن خلافه معها يؤذي إسرائيل أكثر مما يؤذي أميركا، وهذا أمر بدأ الإسرائيليون يعرفونه من وسائل إعلامهم. فضلاً عن ان إقناع أوباما نتنياهو بالاعتذار من رئيس الوزراء التركي وبدفع تعويضات لضحايا الباخرة "مرمرة" له دلالاته، وهو لم يكن ابن ساعته. بل حقّقه مساعد لأوباما زار إسرائيل قبل أسبوع من زيارة أوباما للإعداد لها".
ما هو الموقف الفعلي لأوباما من قضية فلسطين؟ سألتُ.
النهار اللبنانية