في اليوم العالمي لحرية الصحافة تصدر كل عام استطلاعات للرأي حول الحريات الإعلامية تبين الانتهاكات ضد الصحفيين كما تسجل تقدم او تأخر مؤشر هذه الحريات في كل بلد . في الاردن يتم ذلك أيضاً من خلال الا ستطلاع الذي ينشره مركز حماية الصحافيين كما تعقد ندوات في معهد الإعلام وفي الجامعات التي تدرس الصحافة .
عادة ما تسجل الاستطلاعات السنوية تراجع مؤشر الحريات الإعلامية لكني في هذا العام اود تسجيل الملاحظات التالية التي كنت قد اجملتها في ورقة لألقائها في ندوة دعيت إليها الا أني اعتذرت بسبب حالتي الصحية .
١- ان تراجع الحريات لا يعود إلى قانون المطبوعات ، بالطبع يحتوي القانون على كمائن ضد الحريات لكنها ليست من النوع الذي يكمم الأفواه ويكرس الأقلام ، هناك مسؤليات تقع على الصحافيين انفسهم وعلى نقابتهم الذين يجب ان لا يتراجعوا عن ممارسة حريتهم أمام أي محاولات لتقييدها .
الصحافي الذي يتخلى عن روح المواجهة والدفاع عن الحقيقة متذرعا بقانون او تعديل أوإجراء لكي يصمت يكون هو المسؤول عن القيود التي يضع فيها قلمه . وشهدنا خلال الأعوام الأخيرة تضامنا قويا بين صفوف الصحافيين على خلفية قضايا مطلبية ، لكننا لم نشهد مثل هذا التضامن من اجل سقف أعلى او للدفاع عن حرية مؤسسات الإعلام في مواجهة ضغوط حكومية او غير حكومية .
٢- بشكل عام يعتبر سقف الحرية الإعلامية في الاردن عاليا فأنت تستطيع ان تنشر مقالة بسقف عال في وسيلة إعلامية محلية تمنحك حرية تجاوز منعها في وسيلة أخرى واعتقد ان هذا هو جوهر الحرية الإعلامية وتتيح الصحافة الإلكترونية وتعدد الاتجاهات في الصحف اليومية إلى فتح الأبواب على مصراعيها أمام تلون الأفكار واختلاف الآراء .
٣- وأيضاً لا تعود أسباب غياب أعلام حر مستقل على نطاق وطني واسع إلى قانون المطبوعات ، إنما لضعف الاستثمار في الإعلام وبينما نشاهد رجال أعمال ينشئون مؤسسات إعلامية وفضائية في مصر ولبنان على سبيل المثال فان هذا الاستثمار متواضع جداً في الاردن وقد يعود السبب إلى فقر السوق الإعلاني لكنه يعود أيضاً إلى عدم اليقين من وجود إبداع برامجي يستقطب المشاهد الأردني وبالتالي يجذب الإعلان .
٤- من عيوب الاستطلاعات أنها تستند في تقييم تراجع الحريات إلى مجموعة من القضايا المتعلقة بتحويل إعلاميين إلى القضاء او لفصلهم من العمل دون التوقف عند كل حالة وقياس ارتباطها ( بالانتهاكات التي تقيد بالفعل الحرية الإعلامية او تؤثر فيها او الكفاءة بالعمل ) .
وكنت أثناء عضويتي السابقة في مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان أتوقف أمام ما يرد في تقريره السنوي من شكاوى ، فأجد ان بعضها تدعي تعرضها للانتهاك على غير وجه حق . فبعض احالات الصحافيين إلى القضاء عادلة لانها تمس حرية مواطنين آخرين .
وفي العام الماضي حكمت محكمة إيطالية بالسجن لمدة عام على رئيس تحرير صحيفة الجورنال بتهمة القذف كما أجبر المدير العام لهئية الإذاعة البريطانية على الاستقالة بعد نشره تحقيقا خاطئا ضد احد اللوردات المحافظين .
وأخيرافي عالم اليوم تعتبر وسائل الإعلام اهم القوى الرئسية المؤثرة في دول العالم مهما كانت درجة الحريات فيها . لقد أصبحت مقولة ( السلطة الرابعة ) من الماضي فلقد تفوقت في البلدان الديموقراطية من حيث القوة والتأثير على السلطات الأخرى ، لكن مصدر هذه القوة ينبع من مصداقيتها ومن الثقة والاحترام الذي تناله من الناس والرأي العام . ان قدرة الصحافيين في الاردن على ان يكونوا هذه القوة سيعتمد على مدى نجاحهم في إعلاء شأن حرية الرأي وممارستها بتصميم وعلى مصداقيتهم وقدرتهم في كسب ثقة الراي العام .