شددت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة التاسعة والخمسين والتي عقدت بتاريخ (15) أكتوبر (2004) وبالبند (98) تحديداً والذي جاء تحت عنوان "العمل من أجل القضاء على الجرائم المرتكبة ضد النساء والفتيات بإسم الشرف" ، على الحاجة لمعاملة جميع أشكال العنف المرتكب ضد النساء والفتيات بما فيها الجرائم المرتكبة بإسم الشرف بوصفها أعمالاً إجرامية يعاقب عليها القانون.
وتشير جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن" الى البداية الدموية لعام (2013) بالنسبة للنساء في العديد من الدول العربية والأجنبية ، فقد تعرضت العديد منهن للقتل بذريعة "الشرف" وفقدن حقهن بالحياة وهو أقدس حق من حقوق الإنسان. ولم تفلح الجهود المبذولة في كثير من الدول للقضاء على هذه الجريمة اللاإنسانية وغير الأخلاقية ، وتراجعت في دول قليلة أخرى ، وإتخذ بعض مرتكبي هذه الجرائم أساليب جديدة ومتنوعة للتغطية عليها.
وتشكل قلة البيانات المتعلقة بالجرائم المرتكبة بإسم "الشرف" عائقاً جدياً أمام القائمين على وضع السياسات والتشريعات والإتفاقيات على الصعيدين المحلي والدولي ، كما يشكل عدم القدرة على الوصول و / أو إتاحة المعلومات والبيانات من السجلات الرسمية خاصة الجنائية منها عائقاً آخراً يضع جهود الحد من هذه الجرائم في مهب الريح.
وتنتشر جرائم "الشرف" في العديد من دول العالم وعلى وجه الخصوص في سوريا ولبنان والأردن وفلسطين وباكستان ومصر وتركيا واليمن ، كما أنها منتشرة بين جاليات بعض هذة الدول في دول العالم المختلفة ، ويقدر عدد الضحايا بالآلاف ، وتتفاوت هذة الأرقام لدرجة التباين ما بين ما تعلنه الجهات الرسمية وما توثقه مؤسسات المجتمع المدني.
وتضيف "تضامن" أن الرقعة الجغرافية لإرتكاب جرائم "الشرف" قد إتسعت على مستوى العالم ، حيث ألقى شاب بأخته من نافذة الطابق التاسع لأحد مباني مدينة سان بطرسبورغ بروسيا بعدما علم بأنها تخون زوجها ، إلا أنها لم تمت ، وفي بريطانيا نشرت إحصاءات رسمية للمرة الأولى عن ما يسمى بجرائم "الشرف"، وذلك بالتعاون مع جمعية نسائية عضواتها مسلمات من منطقة الشرق الأوسط .ويبحث محققو شرطة لندن في ملفات جرائم قتل تعود إلى عشرة أعوام مضت، وقعت (52) منها في لندن بينما وقعت (65) جريمة في أجزاء أخرى من إنجلترا وويلز. وفي الإطار ذاته أوصت الشرطة الأوروبية إنشاء وحدة أوروبية لمكافحة جرائم القتل بداعي "الشرف" التي إنتشرت في القارة الأوروبية بشكل ملحوظ.
وفي السويد حكم على مراهق سويدي من أصل عراقي يبلغ من العمر (17) عاماً بالسجن ثماني سنوات بعد إدانته بقتل شقيقته طعناً بالسكين وإرتكابه جريمة شرف في نظر القضاء ، ففي (23) أبريل من عام (2012) , وجه المتهم (107) طعنات إلى شقيقته الكبرى البالغة من العمر (19) عاماً في منزلها في لاندسكرونا (جنوب غرب السويد).
وقضت محكمة ألمانية بسجن رجل عمره (53 عاماً) لمدة ستة أعوام وستة أشهر بتهمة المساعدة في قتل إبنته بدعوى الدفاع عن "الشرف" ، ونفى الأب أي دور له في قتل إبنته. ووفقا لبيانات الإدعاء العام ، قام خمسة أشقاء من أسرة ذات جذور تركية تنتمي للطائفة اليزيدية، بقتل شقيقتهم (18 عاماً) بدعوى الدفاع عن الشرف بسبب علاقتها مع ألماني.
وفي لبنان أقدم شاب على قتل شقيقته (بغداد) الحامل منه ، حيث أشار مصدر أمني لبناني للتفاصيل بما يلي :" كانت المقتولة وشقيقها يسلّقان الأعشاب التي يبيعها والدهما، واجهته قائلة: ماذا علينا أن نعمل، أنا حامل منك وبدأ الحمل يظهر للعيان». لم يستوعب ج. الخبر، فاتخذ قراره بقتلها «وكانت السكين في يده، فحملها وطعن أخته طعنة أولى في خاصرتها ثم طعنة ثانية في بطنها، وعندما انكسرت السكين في بطنها، حاولت الفرار منه، فأمسكها بشعرها من الخلف، وحمل حجراً وضربها به عدة مرّات بقوة على رأسها، فكسر جمجمتها، وسقطت قتيلة".
وفي الأردن أشارت أخبار صحفية على إجبار شاب شقيقته على شرب كاس ماء مسموم بمادة اللانيت ونقلت المغدورة الى المستشفى لتغطية الجريمة وبأنها محاولة إنتحار ، الا أن كمية السم في جسم المغدورة كان وراء كشف حقيقة ما حدث وأن أحد اشقائها نفذ جريمته بإجبارها على شرب السم بعلم والده بحجة تطهير شرف العائلة . وتعد هذه الجريمة الثانية التي ترتكب بالحجة ذاتها منذ مطلع عام (2013).
وتشير "تضامن" لمنظمة الأمل المعنية بحقوق النساء في العراق ، حيث إعتبرت أن "قتل النساء لغسل العار ظاهرة خطيرة تضاف إلى تدهور الأمن في كركوك ، إذ أصبحت المرأة أيضاً مستهدفة بعد تسجيل حالات عديدة لقتل الشابات في المحافظة من قبل ذويهن". وأوضحت "شهدنا خلال أسبوع من العام (2013) العثور على جثث ثلاث نساء جرى قتلهن بمناطق متفرقة بكركوك ، فيما شهدت كركوك العام الماضي مقتل (42) إمرأة جميعهن من الشابات تحت ذرائع غسل العار من قبل الأب أو الأخ أو العشيرة".
إن الأمثلة كثيرة على إستمرار إرتكاب هذه الجرائم ، ولكن التحقيقات بجرائم عام (2013) لا زالت مستمرة وأن الكشف عن طبيعتها ودوافعها لا زال مبكراً من الناحية القانونية والقضائية ، إلا أن المؤشرات تؤكد على إستمرار تصاعد وتيرة إرتكاب هذه الجرائم وإتساع رقعتها الجغرافية في أغلب الدول التي ترتكب فيها هذه الجرائم في العادة.
وتطالب "تضامن" الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني وصانعي القرار ورجال الدين ووجهاء العشائر ، بتكثيف الجهود المبذولة لمنع إرتكاب جرائم "الشرف" ، وضمان عدم إفلات مرتكبيها من العقاب بإتخاذ أجراءات إدارية وقانونية وتعديلات تشريعية عند الضرورة ، والعمل على زيادة الوعي المجتمعي وتغيير الصور والسلوكيات النمطية حول النساء ، ودعوة وسائل الإعلام المختلفة للقيام بتسليط الضوء على هكذا جرائم وعلى رفض المجتمع لها ، وإجراء دراسات وأبحاث معمقة تحدد أسباب ودوافع ونتائج إرتكاب جرائم "الشرف" ، وتوفير الدعم النفسي والإجتماعي والمأوى للناجيات والضحايا المحتملات ، والتركيز على جمع المعلومات والإحصائيات لتحديد حجم المشكلة وضمان وضع الحلول المناسبة.