عد شُرب المقلب حتى آخر قطرة، تكتشف أنه المقلب الأكبر الذي «أكلته» في حياتك، ولكن متى تكتشف ذلك؟ طبعا بعد فوات الأوان، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما اقتربت من هذه المدارس، ولا حتى مررت من جانبها!
كنت أعتقد، ويا لسذاجتي، أن المدارس الخاصة «الإسلامية!» كما يدعي أصحابها، تعين الأسرة على تربية الأولاد، وتشريبهم الأخلاق الإسلامية الحميدة، وكنت أعتقد، ويا لسذاجتي، أن تعليمهم ذا مستوى راق، يليق بالمال الوفير جدا جدا الذي يستوفونه من أولياء الأمور بالهبل، لأكتشف بعد أن فات السبت في يوم الأحد(!) أن الحكاية كلها تجارة بالدين والأخلاق، واستدراج لأولياء الأمور المغفلين من أمثالي، لإثراء فاحش وسريع، وتمتع برواتب أسطورية لكبار موظفي المدارس، الذين يكونون عادة من مؤسسيها، ولكم سمعت، ويا للأسف، من يردد ويقول: إذا بدك مشروع تجاري ناجح ما إلك إلا تفتح مدرسة أو حضانة أو روضة، وبالفعل فقد تكاثرت المدارس والحضانات في الأزقة والأحياء، وصارت أكثر من دكاكين القضامة والملبس ع لوز، لأن عائدها يدر اللوز على أصحابها، والمصيبة أن من يتورط بإدخال أبنائه في مدرسة خاصة، يصبح من الصعب عليه أن يعيدهم إلى مدارس الحكومة، خاصة إذا كانوا اعتادوا على «نغنغة» الباص الذي يقلهم غادين رائحين! (مع ذلك تتحدث الإحصائيات عن فرار أكثر من 13 ألف طالب من المدارس الخاصة إلى الحكومية بعد أن أفلس أولياء أمورهم وعجزوا عن إشباع نهم وجشع مستثمري التعليم!) ..
للإنصاف ولوجه الحقيقة، بعض هذه المدارس فعلا محافظ، ويربي قبل أن يعلم، لكن غالبيتها الساحقة هي محض استثمار عينه على جيوب الآباء، وجل همه لم المصاري، لا تربية ولا تعليما، طبعا ناهيك هنا عن إعادة بيع الكتب التي يأحذونها من وزارة التربية والتعليم بسعر معين، وبيعها بسعر مختلف، وكثرة متطلبات «المسات»! جمع مـِسْ» من وسائل وتجارب وخلافه من كلام فارغ، وإلا، ما سبب تدني أخلاق طلبة المدارس «المتأسلمة» وشيوع أخلاقيات الغير لديها؟ بماذا تختلف تلك المدارس عن غيرها من هذه الناحية؟ اقول وأنا مطمئن الضمير، أنها تكاد تكون أسوأ من غيرها، لأن طلبتها في العادة من أبناء الطبقة الميسورة التي تمتاز عادة بكثير من «الإنفتاح» وهي تستطيع أن تدفع بغير حساب، وهنا تحديدا مربط الصيد، والشرك الذي يستفيد منه مستثمرو التعليم الخاص، الذين لا يشبعون، فيعمدون إلى زيادة أقساط بشكل شبه سنوي، حتى صارت كلفة تدريس ولد في الابتدائي أكثر من كلفة تدريس طالب طب أو هندسة في الجامعة الأردنية، وربما تفوقها بمراحل.
أتحدث هنا عن معاناة وقهر وغضب، يشاركني بها كثير ممن اشتكوا مما أشكو منه، ولكن بعد فوات الأوان، ومن أسف، أن ثمة من لم يزل يعتقد بأفضلية المدارس الخاصة على المدارس الحكومية، وهو معذور، لأنه يجب أن يمر بالتجربة المريرة ذاتها، قبل أن يكتشف أنه كان ضحية لإشاعة، لا أكثر، وسيعرف بعد أن يغرق في الديون أنه كان مغفلا مثلي، بعيد عنكم!!