أكتب هذا المقال صبيحة أول يوم بعد رحيل مجلس النواب السادس عشر و"أكسر خلفه جرة كبيرة"!صخرة كبيرة كانت تحط على صدري تحررت منها، إذ كنت في وضع لم أعد أحتمل معه التعايش، سياسياً وبرلمانياً، مع أغلبية برلمانية ساحقة اقتيدت للتصادم مع رغبات الشعب وطموحاته في الإصلاح ومكافحة الفساد، وتخلت عن إقرار التشريعات الحيوية الملحة التي تتعلق بحياة الناس ومصالحهم.يحزنني أن أختم حياتي النيابية التي استمرت منذ العام 1989، وعلى مدار ستة مجالس نيابية متتالية، بمجلس نواب أصبح رحيله محط إجماع شعبي. فقد أعلنت قبل أسبوعين، في اجتماع حاشد في الزرقاء، أنني لن أترشح للانتخابات النيابية القادمة. ودعوت الحضور إلى المشاركة الفاعلة لإنجاح العملية الانتخابية بكل مراحلها.أغادر العمل النيابي طوعاً لأسباب لا يتسع المجال لذكرها، وأنظر إلى السنوات الاثنتين والعشرين خلفي، فأجد مؤشر الرسم البياني نزولاً منذ مجلس نواب 1989. ويسجل المؤشر انحداراً سحيقاً عند مجلسي نواب 2007 و2010. وهنا أشير إلى مؤشر استقلالية المجلس وممارسته لدوره الدستوري في الرقابة على كافة أعمال السلطة التنفيذية، والتشريع، والتمثيل السياسي لمصالح الشعب.كان يمكن للتجربة البرلمانية الأردنية أن تكون أكثر غنى وحضوراً وتأثيراً لو أننا طورنا قانون الانتخاب تدريجياً، وشيدنا البنية التحتية الديمقراطية خطوة خطوة، وحفزنا البيئة الحاضنة للعمل السياسي والبرلماني. إلا أن الأمور سارت على نحو معاكس تماماً. فلم تنجح مجالس النواب التي أعقبت مجلس 1989 في إفراز قيادات برلمانية وسياسية لها حضور، ولم تجدد النخب السياسية نفسها، مع أن وظيفة الانتخابات النيابية تجديد النخب السياسية والبرلمانية في الحكم وفي المعارضة.لم تراكم التجربة البرلمانية الأردنية خبرات يعتد بها، ولم يطور البرلمان أساليب عمله. فقد أفشلت النخب البرلمانية المتسيدة والمستبدة كل محاولات الإصلاح البرلماني، وبقيت الأسس والقواعد التي تحكم عمل مجلس النواب منذ ستين عاماً وأكثر هي ذاتها، وهي في تناقض كامل مع أسس وقواعد العمل البرلماني الحديث المعتمدة في الغالبية الساحقة من برلمانات العالم؛ أسس وقواعد تقوم على الديمقراطية البرلمانية التمثيلية التي تستند إلى العمل الجماعي المنظم، واحترام التعددية وحقوق الأقلية البرلمانية والأعضاء، وتمنع الهيمنة والإقصاء، وتقيم الشفافية في أعمال المجلس وعلاقته مع الرأي العام.وكنت ترأست لجنة من 15 نائباً من الفعاليات البرلمانية الأساسية، أقرت مقترحاً تقدمت به لنظام داخلي جديد متطور ومناسب. لكن رئاسة المجلس عملت على إحباط هذه الجهود ووأدها بمساندة أنصار اللعبة البرلمانية الفردية (One Man Show).أودع العمل النيابي وأنا لست راضياً تماماً عن نفسي وعن أدائي. فقد كنت دائماً حريصاً على أن أظل أتنفس ورأسي يطفو فوق الماء، بدل أن أغرق وأنتهي. كنت دوماً في صفوف المعارضة البرلمانية، لكن بدون تطرف أو نزق. أعرف موازين القوى وقواعد اللعبة السياسية. طموحي كان أكبر مما تسمح به موازين القوى. كنت دائماً منحازاً للحريات، ولم أرفع يدي لمساندة أي قرار أو تشريع يمس مصالح الفئات الشعبية، ودافعت عن العمال كأنني واحد منهم. وقفت بصلابة في مواجهة ملفات الفساد التي عرضت على مجلس النواب. وأعتز بأنني من اقترح تعديل المادة 84/ 1 من الدستور التي حصنت مجلس النواب من الثلث المعطل. وأعتز أكثر بمشروع تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب. أجدني أدافع عن نفسي وعن إنجازاتي؛ فقد أصبحنا نحن النواب متهمين بالجملة والمفرق، وحين تدافع عن نفسك يقولون لك: لماذا لم تستقل؟ لم ولن أهرب من المواجهة. وأنا من الذين يؤمنون بالمراكمة والحفر برأس الدبوس.أشكر أهل الزرقاء لما قدموا لي من دعم وإسناد، وأعتذر عن أي تقصير بحقهم. فمهما قدمت، يستحقون أكثر.. والوطن أكثر وأكثر.
بسام حدادين يكسر جره كبيره بعد رحيل نواب السادس عشر
أخبار البلد -