رغم الإشارات والتأكيدات الملكية بأن مسار الإصلاح السياسي في الأردن سيسير باتجاه الحكومات البرلمانية، إلا أن الحوار حول محددات هذا المسار لم يبدأ إلا مؤخرا، فيما يبدو أنه لا يوجد تعريف مشترك أو فهم متقارب لدى الأطراف السياسية، وحتى في الثقافة السياسية المحلية، حول الحكومة البرلمانية. وما يدور من نقاشات يطرح نقطة نظام، مفادها: ما هو المفهوم الأردني للحكومة البرلمانية؟
قبل ثلاثة أعوام، قدم رئيس الوزراء الأسبق معروف البخيت، رؤيته لمستقبل الإصلاح السياسي في الأردن. وقيل آنذاك إنه سيناريو طويل النفس، يطلب من الأردنيين الانتظار عشرين عاما أو أكثر كي ينضجوا سياسيا، ثم يستحقوا تداول السلطة. وعلى الرغم من الاتفاق أو الاختلاف مع ذلك التقييم، كان البخيت الوحيد من رجال الدولة غير المحسوبين على المعارضة الذي قدم موقفا فكريا واضحا لمستقبل الإصلاح السياسي يعترف بفكرة إمكانية تداول السلطة قبل الربيع العربي.
هذا الأسبوع، عاد البخيت في مقال مطول نشرته "الغد" يوم الأحد الماضي، مرة أخرى، ليدلي بدلوه في النقاش السياسي حول مستقبل الإصلاح، وتحديدا حول تعريف الحكومة البرلمانية المنتظرة بعد الانتخابات القادمة. وبالملخص، فهو يرى أن الحياة الحزبية غير ناضجة لمبدأ تداول السلطة المباشر والفوري. ولذا، يدعو إلى رؤية تقوم على التدرج. إذ لن يتمكن أي من الأحزاب التي تنوي خوض الانتخابات القادمة من الحصول على أغلبية برلمانية تمكنه من تشكيل الحكومة، ما يدفع في التقاليد الديمقراطية إلى مبدأ التكتل بين الأحزاب التي يصل عدد من ممثليها إلى البرلمان، وحتى هذا المبدأ -حسب رأي البخيت- يواجه تحديات ومصادر إعاقة ذاتية، ترتبط بالأحزاب وبالخبرة البرلمانية؛ فلا الأحزاب تملك برامج واضحة، ولا الكتل البرلمانية تقوم على مبادئ الاستدامة والخطوط المشتركة العميقة.
يقترح البخيت في المقابل تفعيل الوجه الآخر للحكومة البرلمانية، والمتمثل في تغيير آليات تشكيل الحكومة بالتشاور المتعدد، والذي يعني المشاورات التي يجريها الملك مع البرلمان والأحزاب الأكثر تمثيلا من أجل تسمية رئيس الوزراء. وفي المرحلة الثانية المشاورات التي يجريها رئيس الوزراء المكلف مع الكتل البرلمانية والأحزاب حول تشكيل الحكومة. ونذكر قبل فترة قصيرة أن مبدأ مشاورة البرلمان كان أحد مطالب المعارضة والقوى الإصلاحية التي طالبت وقت التعديلات الدستورية أن يكون ذلك مبدأ دستوريا.
قد تواجه رؤية البخيت بالنقد، وبأنها تصغر من أكتاف مستقبل الإصلاح، وتفترض أن ننتظر نضوج قدر من الحجارة. في المقابل، تبدو الأطروحات التي تسوق حول تكتلات قد تقود "حكومة برلمانية" قادمة أطروحات متواضعة، ولا تقدم أي قيمة مضافة لمسار الإصلاح. ومع الأخذ بكل هذه الاعتبارات على وجهاتها، فإن تفعيل مبدأ المشاورات، وضمان الكفالة البرلمانية بالثقة النزيهة، قد يكون المتاح سياسيا الذي يمكن الحوار حوله لشكل أول حكومة بعد الانتخابات.
في انتظار كتلة ديمقراطية مستقلة، تبدو أحوال الإصلاحيين في الأردن الأكثر مدعاة للكآبة في هذه اللحظة التي لا يحسدون عليها، لأنها إذ تفتح الأبواب لخيارات إصلاحية محدودة، فإن هذه اللحظة تفتقد الخطاب والرؤية والعمق المجتمعي؛ بمعنى القدرة على خلق الالتفاف المجتمعي حول رؤية إصلاحية واضحة، والوصول إلى الناس والدخول في اشتباك مع الرؤى الشعبية في الشارع. فأول مطالب الخروج من حالة الفصام في سياق حركة الإصلاح إدراك كنه العملية الإصلاحية بوجود كتلة مستقلة تمثل العمق المجتمعي أولا.
قبل ثلاثة أعوام، قدم رئيس الوزراء الأسبق معروف البخيت، رؤيته لمستقبل الإصلاح السياسي في الأردن. وقيل آنذاك إنه سيناريو طويل النفس، يطلب من الأردنيين الانتظار عشرين عاما أو أكثر كي ينضجوا سياسيا، ثم يستحقوا تداول السلطة. وعلى الرغم من الاتفاق أو الاختلاف مع ذلك التقييم، كان البخيت الوحيد من رجال الدولة غير المحسوبين على المعارضة الذي قدم موقفا فكريا واضحا لمستقبل الإصلاح السياسي يعترف بفكرة إمكانية تداول السلطة قبل الربيع العربي.
هذا الأسبوع، عاد البخيت في مقال مطول نشرته "الغد" يوم الأحد الماضي، مرة أخرى، ليدلي بدلوه في النقاش السياسي حول مستقبل الإصلاح، وتحديدا حول تعريف الحكومة البرلمانية المنتظرة بعد الانتخابات القادمة. وبالملخص، فهو يرى أن الحياة الحزبية غير ناضجة لمبدأ تداول السلطة المباشر والفوري. ولذا، يدعو إلى رؤية تقوم على التدرج. إذ لن يتمكن أي من الأحزاب التي تنوي خوض الانتخابات القادمة من الحصول على أغلبية برلمانية تمكنه من تشكيل الحكومة، ما يدفع في التقاليد الديمقراطية إلى مبدأ التكتل بين الأحزاب التي يصل عدد من ممثليها إلى البرلمان، وحتى هذا المبدأ -حسب رأي البخيت- يواجه تحديات ومصادر إعاقة ذاتية، ترتبط بالأحزاب وبالخبرة البرلمانية؛ فلا الأحزاب تملك برامج واضحة، ولا الكتل البرلمانية تقوم على مبادئ الاستدامة والخطوط المشتركة العميقة.
يقترح البخيت في المقابل تفعيل الوجه الآخر للحكومة البرلمانية، والمتمثل في تغيير آليات تشكيل الحكومة بالتشاور المتعدد، والذي يعني المشاورات التي يجريها الملك مع البرلمان والأحزاب الأكثر تمثيلا من أجل تسمية رئيس الوزراء. وفي المرحلة الثانية المشاورات التي يجريها رئيس الوزراء المكلف مع الكتل البرلمانية والأحزاب حول تشكيل الحكومة. ونذكر قبل فترة قصيرة أن مبدأ مشاورة البرلمان كان أحد مطالب المعارضة والقوى الإصلاحية التي طالبت وقت التعديلات الدستورية أن يكون ذلك مبدأ دستوريا.
قد تواجه رؤية البخيت بالنقد، وبأنها تصغر من أكتاف مستقبل الإصلاح، وتفترض أن ننتظر نضوج قدر من الحجارة. في المقابل، تبدو الأطروحات التي تسوق حول تكتلات قد تقود "حكومة برلمانية" قادمة أطروحات متواضعة، ولا تقدم أي قيمة مضافة لمسار الإصلاح. ومع الأخذ بكل هذه الاعتبارات على وجهاتها، فإن تفعيل مبدأ المشاورات، وضمان الكفالة البرلمانية بالثقة النزيهة، قد يكون المتاح سياسيا الذي يمكن الحوار حوله لشكل أول حكومة بعد الانتخابات.
في انتظار كتلة ديمقراطية مستقلة، تبدو أحوال الإصلاحيين في الأردن الأكثر مدعاة للكآبة في هذه اللحظة التي لا يحسدون عليها، لأنها إذ تفتح الأبواب لخيارات إصلاحية محدودة، فإن هذه اللحظة تفتقد الخطاب والرؤية والعمق المجتمعي؛ بمعنى القدرة على خلق الالتفاف المجتمعي حول رؤية إصلاحية واضحة، والوصول إلى الناس والدخول في اشتباك مع الرؤى الشعبية في الشارع. فأول مطالب الخروج من حالة الفصام في سياق حركة الإصلاح إدراك كنه العملية الإصلاحية بوجود كتلة مستقلة تمثل العمق المجتمعي أولا.