بقمبازه .. الأسود .. وعباءته ( الهفهافة ) ..اعتاد أبو طربوش أن يجوب ساحات المدينة وطرقاتها .. ممتطيا صهوة حصانه الاشهب ..يتوكأ تارة على اكتاف رجال تفوح منهم رائحة صفار البيض الفاسد وتارة أخرى يتوكأعلى باكورته الموشاة بعروق الذهب .. كانت زغاريد النسوة تزيده صلفا وكبرياء..وكلما اجتاز ابو طربوش طريقا أو مر من ناحيةكان يبرم شاربيه ثم ( يتنحنح ) ليلفت الأنظار إليه ... ويتخلص من العوائق التي تسد مجاريه التنفسية .. فتندفع من فوهتي فمه وانفه قذيفة على شكل غيمة داكنة.. سرعان ما ينتشر رذاذها في الهواء.. فتتلقفها حفنة من الديدان البشرية .. فتبارك له هذه النعمة وتدعوا له بدوامها
ودام أبو طربوش على هذه الحال ما شاء الله له أنيدوم .. وبقيت الديدان على حالها.. تتكاثر على فضلات ابو طربوش .... وتغتسل بالعرق المتصبب من حوافر حصانه.. داعية له بطول العمر ولحصانه بالصحة وموفور العافية ..
ولان ( أبو طربوش ) من طينة البشر فقد سرت عليه نواميس الطبيعة ..فغزا الشيب رأس أبو طربوش و شاربيه وغابت الحمرة الوردية عن وجنتيه... ولم يعد بمقدوره ضبط شراشيب طربوشه... أو حتى ممارسة حقه الطبيعي مع زوجته ....حتى هذه اللحظة لم يفقد أبو طربوش توازنه بالكامل لكنه قطعا في الطريق إلى ذلك... وقد شوهد أكثر من مرة وهو يركب حصانه بالمقلوب ..
ولسبب أعرفه أنا وتعرفونه أنتم .. أضطر أبو طربوش لربط طربوشه بقطعة قماش خوفا من سقوطه بعد أن اتسع محيط الطربوش وتضعضعت شبكة الخيطان التي كانت تشد أزره ..قام أبو طربوش بتثبيت طربوشه مرات ومرات .. ولكن دون جدوى.. فمحيط الطربوش آخذ بالاتساع .. وشراشيبه آخذة بالتردي..و صار سقوط الطربوش مسألة وقت ..
في أخر مرة شوهد فيها أبو طربوش عندما كانأطفال الحارة متحلقون حول حصانه الأشهب .. وينشدون له : أبو طربوش احمر منقوش بست قروش إلا بارة ..انتشى ابو طربوش .. وبلا وعي منه انضم إلى جوقة الأطفال .. أخذ يغنّي كما يغنّون ويرقص كما يرقصون ..منذ تلك اللحظة فقد أبو طربوش هيبته ومكانته .. ولم يعد احد يقيم له وزنا او يحسب له حسابا.. باستثناء قطاريزه ..
عما قريب سيرحل أبو طربوش ويترك وراءه باكورته و عباءته الذهبية وحصانه ألأشهب .. وكومة من الزواحف البشرية التي اعتادت المشي على بطنها..ولأن بقية اصحاب الطرابيش من نفس شاكلة ابو طربوش فسوف تسري عليهم نواميس الطبيعة ...ستتوسع مداميك طرابيشهم..سيغزو الشيب شواربهم ورؤوسهم .. سيفقدون توازنهم .. وبالتأكيد سيركبون أحصنتهم بالمقلوب ..وسيتجمع حولهم الاطفال وينشدون لهمابو طربوش احمر منقوش بست قروش الا بارة ..ثم يتركونهم يتبخرون في عالم النسيان .. دون أن يتذكرهم أحد....او ان يتأسف عليهم احد ..
أبو طربوش
محمود قطيشات